حوار مع الدكتورة والشاعرة المغربية ثريا بن الشيخ
محمد سعيد الاندلسي
الدكتورة والشاعرة المغربية ثريا بن الشيخ، واحدة من القليلات اللواتي صنعت المجد لانفسهن بجهد ومثابرة، تميزت واتقنت صنع المستحيل بثقافتها الشعرية والادبية، وطوعته بذكاء وحسن تقدي.
ثريا بن الشيخ، لها مكانة مرموقة في المجتع بزعامتها الشعرية والأدبية والانسانية، وكيف لا وهي التي تقول ( المحبة عندي شريعة لا ذريعة). وقد كان لنا معها هذا اللقاء الممتع والشرق.
مساء الشعر دكتورة.
مساؤك نور : كان علي أن أعد نفسي لهذا اللقاء ، لرهبته وللرغبة في لحظة سلام داخلي وأُلفة تمنحني سلاسة التفاعل الإيجابي ..
* دكتورة ثريا بن الشيخ، كيف كانت بدايتك مع الشعر ؟ وما هي أهم المؤثرات التي أثرت في تكوين اتجاهاتك الشعرية؟
بدايتي مع الشعر مرتبطة بدفق المشاعر التي توجه ميولاتنا واختياراتنا منذ وقت مبكر ؛ وما أثر على توجهي أكثر بالإضافة إلى دفق المشاعر والحساسية الإنسانية المفرطة هو نشأتي في بيئة ثقافية غنية بالتراث المغربي الغني والمتنوع وأيضا باحتكاكي بنخبة من المثقفين والشعراء والكتاب والفقهاء منذ بداية ارتيادي للمؤسسات التعليمية المختلفة. تتلمذت على عدة شعراء وأدباء نالني من حظ التعايش معهم نصيب كبير ، هذا بالإضافة إلى أخواتي العزيزات اللائي كان لهن تأثير كبير على مساري الدراسي والشعري . أنا سليلة الشعراء العرب جميعا ومنذ امرئ القيس حتى آخر الشعراء الذين لم يولدوا بعد . الدراسة وحدها والتتلمذ لا يكفي ، فإن الانطلاق من وعي نقدي وخلفية معرفية بعناصرها الفكرية والمنهجية لابد أن تجعلنا ننطلق من رؤيا للعالم وطريقة خاصة في التعبير . بذلك فإن أثر الاتجاهات والتيارات سوف يفرض نفسه في تعالقات نصية لا يدركها غير الناقد المنتج الذي يقرأ العمل من خلال كيفية بنائه وطريقة تشكله وآليات اشتغاله . ولا أنكر عشقي للشعر وتأثري به ، وإن كنت أنزع نحو توجه خاص يجعلني بعيدة عن السقوط في نفق التقليد .
* تكتبين القصيدة.. هل حققت قصائدك ما تطمحين إليه أم إنها مازالت تحاول إثبات ذاتها؟.
إن الشعر الحي يظل في تشكل مستمر ، في ولادة مستمرة كما قال نزار قباني .والشاعر الذي يزعم أنه حقق ما تطمح إليه نفسه في الإبداع الشعري إنسان واهمٌ . إن الإبداع الشعري رحلة عميقة مع اللغة بالدرجة الأولى ، وبما أن تعدد مصادر الإلهام تجمع بين العربي والغربي ، وبين عدة متغيرات تتشكل معها الهوية باستمرار ، فإن كتابة الشعر أفق رحب ، كالشرب من ماء البحر ، كلما شربت منه عطِشت أكثر . إن الحديث عن إثبات الذات قضية لا تخلو من تصنيف ، ولا يُعقل سقوطنا في الإبداع والتصنيف معا وفي نفس السّياق . فالإبداع مهما كان مُقنعا لا يحمل معناه في ذاته ، ولا تختلط الأدوار أمام المبدع ، فهو يدرك دور النقاد في تقديم العمل لجمهور قراء جُددٍ يبحثون عن وسيط معرفي يقربهم من جوهر الأعمال الجادة .
* هل نستطيع أن نسأل أن القصيدة النسائية, هل هي بخير الآن؟؟؟ وهل تسير هذه القصيدة في طريق الإبداع أم هي تكرر ما قيل وما يقال؟
القصيدة النسائية : الواقع أن القصيدة من جنس الكتابة ، وهي بنت المحبرة. فالقلم آلة بدون هوية نوعية أو جنسية . لذلك فإن فعل التصنيف هنا بين إبداع الشعراء والشواعر لا يستند إلى أي أساس نقدي . إن فعل الكتابة بشكل عام لا يبنى على التمييز بين الذكر والأنثى ، فالمعتبر هو الشعر الجيد فقط دون ربطه بجنس أو جنسية صاحبه . فهل الشعر بخير الآن ؟
منذ عدة عقود فقد الشعر مركزيته ، فلم يعد كما كان طيلة مراحل نشأته أو ازدهاره . فنحن في عصر جديد ، انتقلت فيه الزعامة لمستجدات خَفَت فيها صَوت الشاعر . وقد ولى الزمن الذي حين يرتفع فيه صوت محمود درويش بإحدى قصائده تهتزّ لها جدران الكنيسيت . لقد تعددت أنماط التعبير ووسائطه التكنولوجية ، وتهافت معظم الكتاب على الكتابة السردية بمختلف أنماطها . وهو الأمر الذي أعطى انطلاقة جديدة لقصيدة النثر التي تطورت وتبلورت ملامحها لدى الشعراء النقاد من أمثال أدونيس وبنيس وغيرهما . هناك نقطة لابد من الإشارة إليها ، فالشعر بخير دائما ، قد تكون هناك أزمة شعراء صحيح ، لكن الشعر يظل أجمل ما قاله الإنسان ، ففيه يقول الشاعر ” كن فيكون ” وهو يصوغ العالم صياغة تركز على تأسيس وبناء خطاب كوني أساسه المحبة والجمال والسلم والسلام ، وهو الرهان الذي تضطلع به جميع الفنون الجميلة . إن عشق الشعر لا ينطلق من أي تصنيف أو إقصاء ، فالشعر الجيد عندي هو الذي يلامس إنسانيتنا المشتركة سواء كان عموديا أو نثريا أو معراجات دائمة التغير وإعادة التشكيل .
لقد تعدد أسماء الشواعر في العقد الأخير ، بحيث تعج المكتبات بدواوين الشاعرات أو الشواعر ، وقد صدق قول الشاعر محمد بنطلحة حين قال بأن مستقبل الشعر في إبداع الشواعر أو المرأة ، خاصة وأنها تلامس جوانب أخرى من التجربة الإنسانية التي لا تكتمل إلا بضرورة إحياء الصوت الشهرزادي من جديد . فالشعراء وحدهم يعبرون عن حساسية العصر ، وهو ما لانجده لا في التاريخ ولا في الفلسفة ، فالشعر انعكاس للغة الإلهية الباطنة. وبشعر المرأة يصبح الشعر فعلا حلم الإنسانية الكبير .
– بالرغم مما حصل من تطورات تكنولوجية مهوِلة ، يُلاحظ أن صوت الشعر مازال يفرض نفسه بين الفنون الجميلة . لقد تمزقت الهوية فعلا ، وفقدت الذات التوازن ، إلا أن دورَ الشعر أصبح أكثر إلحاحا من الماضي . صحيح أن سرعة التطور قد أفقدت الفنون الجميلة طاقتها التأثيرية التي كانت تتميز بها ، وهذا لا يعني العصف بالقيم الإنسانية العليا . فالعاصفة فعلا عنيفة وجارفة ، وقد تغيرت العقليات بشكل كبير . ظهرت مجازات عصرية مختلفة ؛ إلا أن دور المثقف أصبح كبير الأهمية . ويجب عليه الاستمرار في ممارسة أدوار البناء التي تبوأها ، حتى لا يستسلم أمام جبروت التكنولوجيا التي ولدت نوعا من الفراغ الوجودي الذي يسعى إلى إخراسنا : نحن في حاجة إلى سرد مراحل رحلاتنا الوجودية و ” شَعْرنة ” مآسينا وخيباتنا .
– لست ممن يشعرون بالضياع وفقدان المعنى أبدا. فالمعنى جوهر الوجود ، لُبّ الأشياء. والبحثُ عن المعنى هو محور الإبداع اللغوي والشعري ، وهو ما يُسميه الفلاسفة “البحث ” عن الحقيقة . المعنى إدراكٌ يسكننا من الداخل ، ولا يعن عن نفسه إلا بربطه بحقائق الوجود ، بالتعبير عنه . هنا تحضرني قولة الجاحظ الشهيرة :” المعاني مطروحة في الطريق ، يعرفها العربي والعجمي … إنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير ” . كتاب الحيوان.
* نعيش في زمن فقدت القصيدة معناها وفقدت الهوية شكلها وفقد الادب طعمه.. هل ثريا تائهة بين فقدان المعنى والشكل والطعم؟؟
من شأن الطابع المادي للحياة في مجتمعات استهلاكية إفقادُ الماهيات المتعالية سلطتها السابقة ، إلا أن الدنيا بخير ، وصوت المثقف لابد أن يستمر عبر جميع الأشكال المعرفية المختلفة التي تُبنى عليها ثقافة واستقرار الشعوب .
*لمن تقرأ الشاعرة ثريا بن الشيخ؟
– ما كنت في يوم من الأيام أقيم قراءاتي على فعل تصنيفي مُعين ، أقرأ من كل الكتابات القديمة والحديثة ، ومن كل الأشكال المعرفية المختلفة . ولا يكاد فضولي يستثني شاعرا أو عالما ..
أقرأ للشعراء العرب والغرب ، فالقراءة هي التي تشدني إليها ، ولا أربطها بأسماء أصحابها أو ما تميزوا به من جوائز أو ألقاب .
عمقُ الحياة وجوهرها .
*ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك ؟ وهل لك طقوس معينه في الكتابة؟
لقد بدأتُ الكتابة منذ وقت مبكر جدا ، خاصة وأن المناخ الثقافي الذي نشأتُ فيه كان مُساعدا على تفتح القرائح . ومنذ المسابقات الأدبية التي كانت تدور بيننا في المدارس والثانويات ، وأنا أشعر بأهمية القراءة أولا ، مما كون لديّ تراكما مُشجعا على الاستمرار في ممارسة فعل ثقافي فكري ميز مسيرتي التعليمية وأكسبها طابع التفوق والتميز . فالكتابة حاجة نفسية روحية ، الكتابة انعكاس لوجع الكينونة .
لكل كاتب طقوسُه الخاصة وبهاؤه أيضا . ولا أهفيكم سرا أنني أكتب حين الحاجة إلى التعبير عن الرغبة في الخروج من النفق الذي يفرضه علينا اليومي المبتذل إلى أفق أوسع وأرحب . لا أشترط مكتبا وكرسيا وثيرا على الإطلاق . ولا أرتبط بزمان أو مكان معين ، ففعل الكتابة سيل ودفق لا سلطان لي عليه . دوري أن أستجيب للنداء باستمرار ، لأكون على أهبة واستعداد . أحيانا يكون المخاض عسيرا ، وأخرى تتزاحم الأشياء وهي ترفض طابور الانتظار ، تلح على رؤية النور دفعة واحدة ، فيشتد الوجع ، ويأتي المولود كما قُدر له ، متكاملا أحيانا أو موجعا موجوعا أو مجرد نبتة صغيرة لابد من زرعها في تربة أخرى تمنحها فرصة النمو والاكتمال .
*من هم أبرز الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم وتفتخر ثريا بن بهم ولماذا؟
من حسن الحظ أنني تتلمذت على يد أدباء وشعراء وفقهاء وفنانين وأساتذة يُشهد لهم بالنبوغ والريادة . فبدءاً من الفقيه سيدي البشير إلى أساتذة على درجة كبيرة من العلم والمعرفة والتبصر . تتلمذت بشكل مباشر على يد الشاعر الصحراوي الدرجاوي والشاعر والباحث أحمد أبو زيد ، ثم الفيلسوف محمود سامي النشار ، والعالم اللساني تمام حسان ، والفاسي الفهري والشاعر المجاطي وغيرهم . أعتز بجميع أساتذتي الكرام ، خاصة عباس الجراري الذي كان أكبر من وجهني في دراستي الجامعية ، وهو الذي أشرف على معظم دراساتي الأكاديمية، كما أدين بالمحبة والشكر لأساتذتي الكرام ، محمد برادة ، شحلان في اللغة العبرية وخبير الدراسات السردية في العالم العربي سعيد يقطين . كما تتلمذت بشكل غير مباشر على يد كل من جوليا كريستيفا وجيرار جينيت ومحمد بنطلحة وغيرهم .. أعتز بجميع من تعلمت معهم كيف أكتب وكيف أفكر ، كما علموني كيف لا أكون ذيلا لأحد . فقيمة التعلم في أن نعلم التلاميذ والطلبة كيف يقدرون دون محاباة ، وكيف يفكرون دون تقليد أو اجترار ، وكيف يكتشفون نماذجهم من خلال قدراتهم المختلفة دون الاتكال على الغير .
*أحلامك على المستوى الشخصي ؟ وعلى المستوى الأدبي؟
أحلامي كثيرة جدا ، وربما يستحسن الحديث الآن عن الطموحات . لابد من الإشارة إلى أنني انخرطت في فعل الكتابة في زمن مبكر جدا ، إلا أنني لم أبدأ النشر إلا قبل أقل من عشر سنوات ، حتى أن دفتر أشعاري الذي ظل مُحاصرا تحت وسادتي هو الذي راودني عن نفسي ، ونكاية في الانتظار ، خرج محتشما في أول ديوان : فنجان واحد لا يكفي ” كان بداية دفقٍ يسيل في وجع .
حلمي في وطن عربي موحد ، في مجتمع متوازن ، في بناء ترسانة قانونية جادة في حماية حقوق المستضعفين ، في استرجاع المرأة لسلطتها الأولى وتخليص الشعوب من الفقر والجهل والتبعية ، حلمي في منح المرأة سلطة القرار ، فنحن في دورة حضارية جديدة ، تستعيد معها المجتمعات الإنسانية إنسانيتها بعيدا عن الحروب والصراعات والخلافات التي جعلت العالم في سباق أفقدَ الوجود ميزته الأولى ، وهي نعمة الشعور بالأمان والانتماء .
*في حياة كل منا لحظات لا تنسى ، قد تكون لحظات سعيدة فما هي أهم اللحظات في حياة ثريا بن والتي لا تنساها؟؟؟
يبدو أن نعمة النسيان ليست مسخرة للكتاب والشعراء بشكل خاص . إن زادنا قائم على الذاكرة بالدرجة الأولى ، لذلك فكل صغيرة وكبيرة تترك آثارها على العقل والنبض والقلم . أول ما علق بذهني من الماضي البعيد ، حين كنت في حاجة إلى حذاء وكتاب في نفس الوقت ، فما ترددتُ في اختيار الكتاب ، وهو موقف يجمع بين مشاعر عميقة يصعب جمعها خارج فعل الكتابة . أسعد اللحظات تجمع بين الذاتي والموضوعي : أولها رؤية ابنتي لأول مرة بعد تسعة أشهر من الانتظار والخوف ورؤية كتابي الأول . وقد يأتينا الزمن بما لا تشتهي أنفسنا ، ولن أقول غير الحمد لله على كل حال . فأقصى ما نصبو إليه هو بلوغ المرحلة الملكية من حياتنا ، حيث ترتبط فرحتنا بحب الحياة فقط لا بما نكتسبه من أشياء هذا العالم السطحي .
*حين تعود ثريا بن إلى أعماق نفسها، كيف تراها حقيقة؟
الله ، سؤال جميل ، فأنا مع نفسي باستمرار ، لم افارقها يوما ، بل ازددتُ محبة وصدقا معها ، وبصدق أقول عني طفلة بقلب لبؤة ، أحب الخير للجميع ، لا مكان في نفسي لغير المحبة ، وكما أقول دائما: المحبة عندي شريعة لا ذريعة .
* إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن المعلب؟
لقد كان الشعر نخبويا منذ بدء الخليقة ، والقول بمركزيته لا تكمن إلا في ارتباطه بسلطة القبيلة أو المجتمع . وما حصل بالنسبة للقصيدة هي أزمة شعراء بالدرجة الأولى قبل أن تكون أزمة تكنولوجية تعود إلى رفض معظم المثقفين الانخراط في وسائط العصر . لقد أصبحت المجتمعات استهلاكية مادية ، إلا أن واجب المثقف الاستمرار في تحمل مسؤولياته الثقافية والحضارية . فبعد سلسلة من الحروب والنكسات خاصة بعد حروب الخليج والربيع العربي ، تراجع معظم المبدعين عن ممارسة أدوارهم في مواجهة الواقع الجديد. أصبح لزاما على المبدعين التكيف مع مقتضيات العصر ، ضمانا للمشاركة في إعادة تأسيس خطاب متوازن يشارك فيه المثقف إلى جانب رجال السياسة والاقتصاد. فالاحتكام إلى قوانين الربح هو الذي جعل أصوات المهرجين هي الأقوى . لقد خفَت صوت الفنون الجميلة بشكل عام . ويعود ذلك إلى دور الإعلام في نشر الفكر التنويري وتوجيه الناس إلى ما يضمن استمرار سلامة نمو المجتمعات . وقد فقد الإعلام دوره المركزي وأصبح يروج للتفاهات بحثا عن تحقيق الربح السريع . فمتى رأينا أحد الإعلاميين يقوم بدعوة شاعر أو مفكر ليعقد معه جلسة تجمع بين المتعة والفائدة ؟ نادرا جدا ، بل أصبحت اللقاءات حكرا على مظاهر الفساد والتدهور بشكل أفقد السلطة الرابعة الرهان الذي تستمد منه مصداقية التواجد .
* هل هناك قوة للثقافة في زمن طغت فيه ثقافة القوة؟
أزمة الثقافة اليوم تطرح بحدة ، فبعد السقوط الأخير الذي عاشه العالم العربي ، دخلت المجتمعات في ارتداد خطير انقلبت إثره الموازين . لقد خاب ظن وطموح المثقفين بشكل عام . كما أحدثت الخيبة نكسة كبيرة جعلت معظم المثقفين يحجمون عن الاستمرار أو أنهم تخلوا عن مشروع طالما قاموا ببنائه على وَهْم التغيير .أصبحت السلطة في يد رجل الاقتصاد الذي يستند في مشروعه على تحقيق الأرباح وعلى قانون القوة والغلبة على حساب القيم الإنسانية العليا التي تبني سلطتها على توفير الأقل الحيوي للشعوب بتكافؤ فرص العمل والقضاء على الظلم والمحسوبية التي تقصي حق الشعوب في حياة كريمة .
*هل تتوافق أشكال النصوص الشعرية الجديدة مع واقع حياتك الادبية؟ أم هي نصوص تجرّنا للداخل وتموت؟
لا تعيش النصوص الشعرية إلا إذا كان صوت الشاعر قويا مسموعا . فإذا نظرنا إلى واقع القصيدة العربية ، ندرك أن أجملها لا يشتهر بالضرورة . فما ينتشر بين الناس إلا ما ارتبط بالحدث من أمثال بعض أشعار محمود درويش أو بالغزل من شعر نزار قباني . والباقي ، تعرف بعض القصائد من حين لآخر دون أن تصبح محمولة في الذاكرة كما كان سابقا . لقد ارتبطت وضعية الشعر في المجتمعات اليوم بارتباط الذائقة الفنية العربية بقصائد فحول الشعراء الرواد من عيون الشعر العربي القديم . فلا يتم الاستشهاد إلا بما قاله عنترة أو المتنبي أو ربيعة العدوية وغيرهم . أي أن الذاكرة العربية قد حصل لديها إشباع واقتناع بارتباط جمال القصيدة العربية بالشعر الموزون الذي يظل خاضعا لضوابط الخليل. بذلك أصبحنا نجد النقد الحديث يصنف الشعراء حسب ريادتهم وتفتحهم على الشعريات العالمية ، ولكن وللأسف ، لا مكان لقصائدهم في ذاكرة القراء ، أي أنهم شعراء كبار ولكن بدون شعر تحفظه الصدور ..
لدينا عدة أسماء شعرية كبيرة في العالم العربي وفي المغرب بشكل خاص ، نكن لهم كل المحبة والتقدير ، ولكن ، لابد من دور الزمن في تحديد استمرار أهمية فعل الكتابة بشكل عام . ذاكرتنا تعج بالمحفوظات الشعرية القديمة ، ونصيبها من الحديث أو الجديد قليل إلى نادر ، من هنا تتولد أسئلة قلقة لن تجد جوابها اليوم ، فالتاريخ غربال صارم .
* كيف ترى الشاعرة ثريا بن الشيخ العلاقة الجدلية بين مجال عملها وبين أعمالها الشعرية؟ وهل لعملها انعكاس على كتاباتها؟
لا نتكلم عن العلاقة الجدلية بين مجال العمل والشعر إلا في حدود ضيقة . فبنية القصيدة الشعرية اليوم تقوم على دمج وتذويب الحدود النوعية الفاصلة بين الأغراض والمواضيع أو المضامين . فهل يطالب المدرس بالكتابة عن متاعب المهنة والنجار يتكلم عن أدوات حرفته ووو ؛ صحيح أن الأدب ابن بيئته ، والعمل عنصر فاعل في الإبداع . فهو يساهم في تبلور التصورات وتوضيح الرؤيا، كما يمتحن خلاله المبدع والشاعر مدى قدرته على تحقيق الانسجام والتناغم الذي يقوم عليه العمل الإبداعي . فأكثر الشعراء ممارسة للشعر هم المدرسون والأستاذة . ولاشك أن ما يتميزون به من موارد معرفية ومنهجية هي التي تسعفهم في دروسهم كما تفيد إبداعهم . إلا أن المعتبر في الشعر هو قيام الرؤيا على الجمال والشمولية ، فأثناء الكتابة ، يختلط الوعي بحديث اللاوعي، وتكون الغلبة لما تٌمليه السليقة من أشياء يتم تمريرها عبر قناة المشاعر ، فتكتسي طابعا ذاتيا .
* كلمة أخيرة.
أي لقاء مع القراء الجدد يكون دعوة إلى ربط الكتابة برهانات وجودية ومعرفية بالدرجة الأولى. فالشعر دفعة كيانية ، رؤيا كونية ، تضُمنا جميعا في محراب المحبة حيث البعدُ الوحيد الذي عَبرَه نُمارس إنسانيتَنا المشتركة . عبْرَ الشعر نستطيع تغيير صرامة الواقع ونستنطق الطبيعة لنحدث الألفة التي تضمن لنا الانتماء الإنساني المشترك ، نخلق استعارات جميلة ، تجعلنا نكتشف وجه الحياة الجميل ، استعارات معتقة بدموعنا وضحكاتنا نعيش بها في محبة وسلام .
==============================
زوروا «موقع رائدات»
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زورونا «إنستغرام رائدات»
وللاطلاع على فيديوجراف المشاهير زوروا «تيك توك رائدات»
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «يوتوب» «قناة رائدات»