
محمد سعيد الأندلسي
احتضن مقر حزب الاستقلال بطنجة، يوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025 مائدة مستديرة حملت عنوان “الخطاب الملكي بين العدالة الاجتماعية وإدماج الشباب”، وأطرتها الدكتورة حفصة الرمحاني. بدا اللقاء مناسبة ليست فقط لتحليل نصّ خطابي أو تقييم سياسات، بل لاستجلاء سؤال أعمق: كيف يتحول خطابٌ رمزي إلى واقعٍ ملموس يغير من هندسة العيش المشترك؟
في مداخلتها، لم تكتفِ الدكتورة حفصة بسرد إجراءات أو مقترحات تقنية؛ بل وضعت الخطاب الملكي في محور أخلاقي وسياسي يفرض إعادة قراءة العلاقة بين الدولة والفرد، بين الوعود والتوقعات، وبين الزمن الرمزي والزمن المعيشي. هنا يصبح الخطاب ليس مجرد توجيه من فوق، بل نصّاً يُقاس بمدى فتحه لآليات مشاركة حقيقية تُنقذ الشباب من منطق الانتظار إلى منطق الفعل.
ركزت الدكتورة حفصة الرمحاني على نقطتين مترابطتين: أولًا، أن العدالة الاجتماعية ليست مجرد توزيعٍ مادّي بل تأسيس لظروف تُمكّن الفاعل الاجتماعي من أن يكون فاعلاً حُرّاً ومسؤولاً؛ ثانيًا، أن إدماج الشباب يتطلب بناء مؤسسات مرنة تتقبل التجريب وتمنح المساحات لصنع القرار لا مجرد تلقي النتائج. من هذا المنطلق، يصبح الحديث عن التشغيل أو التكوين مجرد جزء من معادلة أوسع تشمل القدرة على المشاركة والتأثير والإبداع.
النقاش انبنى حول سؤالين محوريين: كيف تُترجم التوجيهات إلى سياسات تُعيد توزيع الفرص، وكيف يُقاس نجاح هذه السياسات؟ أجابت الدكتورة حفصة بأن المعيار ليس فقط عدد المشاريع أو المخصصات، بل قدرة تلك المشاريع على تحويل حافة الهامش إلى مركز مبادرة؛ قدرة الشباب على التحول من متلقّين إلى فاعلين في مجموعة من المجالات — اقتصاديًا، ثقافيًا، وسياسيًا — بحيث تصبح المشاركة ساحة لصنع المعنى لا لمجرد شغل وقت الفراغ.
كما أكدت على ضرورة العدالة المجالية كعامل أساسي؛ فغياب التوزيع العادل للموارد بين المدن والجهات يقوّض أي خطاب يسعى إلى تكافؤ الفرص. ومن هنا طالبت بأن يصير التخطيط التنموي متجانساً مع منطق إدماج الشباب، عبر برامج تربط التكوين بفرص النشاط المحلي، وتُعطي قيمة للمبادرات الصغيرة التي تتسم بقدرة على الاستدامة والاندماج المجتمعي.
لم يغب عن مداخلاتها بعدٌ أخلاقي: أن الخطاب الملكي يملك قوة توجيهية يمكن أن تتحول إلى التزام مؤسساتي إذا ما صاحبه تصميم مؤسسي يقفل ثغرات المحاباة والبيروقراطية واللامساواة. وبذلك، تصبح الكلمة بداية للالتزام لا نهايته؛ والدكتورة حفصة أكدت أن السؤال الحقيقي يُحسم في قدرة الدولة والمجتمع المدني على تحويل هذه الكلمة إلى قواعد لعبة واضحة تتقاسم المسؤولية بينها.
في ختام الندوة، بدا الإتفاق على أن العدالة الاجتماعية وإدماج الشباب ليسا مشروعَين منفصلين بل وجهان لذات عملية: إعادة تشكيل علاقة المواطنين بالمؤسسات وبالمقدّرات، وبناء ثقافة سياسية واقتصادية تتيح للشباب أن يصبح محركًا للتحول بدل أن يكون رهينًا لوعود لم تُنفّذ. وكان صوت الدكتورة حفصة واضحًا في دعوته إلى عقلنة السياسات وتفعيل آليات المحاسبة والمشاركة بحيث لا يبقى الخطاب مجرد خطاب، بل يصبح أداة للتمكين والتغيير.
هذا اللقاء، بتركيزه على التحويل من قول إلى فعل، يذكرنا بأن السياسي الحقيقي ليس من يطلق الشعارات، بل من يصنع الآليات التي تجعل من العدالة خيارًا متحققًا، ومن الإدماج واقعًا محسوسًا. والدكتورة حفصة، بحضورها ومداخلتها، وضعت المناقشة عند مفترقٍ عملي: أن نستخدم الكلمة خطابًا أو توجيهاً كشرط لفتح أبواب العمل الحقيقي، لا كغطاءٍ يطمس الحاجة إلى إصلاحات جذرية وعادلة.



