المرأة الجبلية.. صبرٌ فوق صخور الحياة

عمر العطار

في عمق الجبال المغربية، حيث الطرق الوعرة والمنازل المتناثرة على سفوحٍ صامتة، تعيش المرأة الجبلية حكاية صبرٍ لا تنتهي. هي ليست فقط أمًّا أو زوجة، بل روحٌ تصارع الطبيعة والظروف كي تستمر الحياة.

 

تستيقظ هذه المرأة قبل أن تشرق الشمس، لتبدأ يومها الطويل بين مسؤولياتٍ متشابكة لا تعرف فيها معنى الراحة. تحمل جرار الماء على كتفيها النحيلتين، تمشي الكيلومترات في طرق موحلة أو صخرية لتصل إلى المنبع البعيد. فالماء في الجبل ليس مجرّد موردٍ طبيعي، بل رحلةُ عذابٍ يوميّة تترك آثارها على الأجساد والوجوه.

 

تعود محمّلة بالتعب، لتجد أطفالها الصغار ينتظرون دفءَ يدها ولقمة الصباح. تُلبسهم، وتُعدّ فطورهم البسيط من خبزٍ وماءٍ وزيتٍ، ثم تودّعهم بابتسامةٍ تُخفي خلفها تعب الأمس وقلق الغد.

 

لكنّ يومها لم يبدأ بعد. فبعد أن يخرج الأطفال إلى المدرسة أو إلى الحقول، تشدّ المرأة الجبلية مع زوجها أزر الكدح. تزرع الأرض، تجمع الحطب، تحرث، وتنقل المحصول على ظهرها أو على دابّتها المتعبة. هي تعمل كتفًا إلى كتفٍ مع الرجل، لا تقلّ عنه جهدًا ولا شجاعة.

وعندما تغيب الشمس، تعود إلى بيتها المتواضع لتبدأ فصلاً آخر من العمل المنزلي: إعداد الطعام، غسل الملابس، ورعاية الصغار حتى يغلبها النعاس على ضوء مصباحٍ خافت.

 

رغم كل ذلك، تبقى المرأة الجبلية رمزًا للنبل والكرامة. لا تشتكي، لا تتذمّر، بل تواجه الحياة بإيمانٍ عميق وصبرٍ لا يُقاس. إنّها تتقاسم مع الأرض صلابتها، ومع الجبل شموخه، ومع الماء رحلته الطويلة بحثًا عن البقاء.

 

في كل تجعيدة على وجهها حكاية، وفي كل خطوة تخطوها فوق التراب رسالة صامتة إلى من ينسون أن هناك نساءً يصنعن الحياة بأيديٍ متشققة وقلوبٍ عامرة بالأمل.

 

فالمرأة الجبلية، ببساطة، تعيش القهر ولا تستسلم، تتعب ولا تكلّ، تُعطي دون أن تطلب شيئًا. هي ذاكرة الأرض الصامدة، وأيقونة الصبر المغربي التي تستحق أن تُروى حكايتها في كل مكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى