أسباب الإجهاض المتكرر وسبل مواجهته
د. سارة أموراق – أخصائية في طب النساء والتجميل
يعد حلم الأمومة مطلبا ملحا تستشعر من خلاله المرأة قيمتها في الحياة، باعتبارها كائنا يمتلك عاطفة متدفقة تسعى لتصريفها بشكل مستمر، وقد لا نجازف إن سلمنا منذ البداية أن هذا الحلم سرعان ما يتبدد بعد فقدان الحمل أكثر من مرتين دون الإحاطة بالأسباب التي تحول دون بلوغ غاية الولادة، فغالبا ما يؤرق الإجهاض المتكرر(بالإنجليزية: Recurrent miscarriage) الأم ويسبب لها ألمًا نفسيًا وجسديًا، ووفقًا لبعض الإحصاءات العالمية فإن حوالي 3% من النساء معرضات للإصابة بما يعرف بالإجهاض المتكرر، والّذي يتم عادة في الثلث الأول من الحمل، ولا يمكن اختزال هذه التجربة المؤلمة في عدم قدرة المرأة على الولادة وتحقيق حلم الأمومة، وإنما تشير بشكل صريح إلى وجود أزمة باطولوجية –مرضية– تعيق استمرار الحمل وتطوره، وقد تعود للفترة الممتدة بين حدوث الإباضة أو بعد التخصيب إلى وقت الانغراس واستمرار الكيسة الأريمية[1] في تشكيل المضغة، ولأن هذا المشكل نظريا يطرح تحديات أمام الممارسين لمهنة طب النساء والتوليد في مختلف أنحاء بقاع العالم..، فلابد أن نتوقف بداية على ما تحمله كلمتي إجهاض متكرر من معنى في حدود صيغتهما المركبة. فما المقصود بهذه الحالة المرضية؟ وما الشروط المستوفاة للتمييز بين الإجهاض المتكرر وغيره من أنواع الاجهاضات الأخرى؟ وما التدابير اللازمة لتجاوز كابوس فقدان الحمل المستمر؟
مادام علم طب النساء والتوليد فلسفة قائمة بذاتها قبل أن يكون ممارسة، فهو مبني بالضرورة على عدة مفهومية وإشكالات إنسانية تتطلب تشخيصا سليما للحالات المرضية الشائكة، من هذا المنطلق يمكننا اعتبار حالة الإجهاض المتكرر جزء لايتجزء من المشاكل التي تواجه الأزواج، والّذي غالبا ما يتفق على تعريفه بالفقد التلقائي المتوالي لحمول متسلسلة -أكثر من مرتين متتاليتين- ومن معايير الحكم على الإجهاض باعتباره مكررا أن يكون بداية غير موجه بإرادة ذاتية، أي أن يكون تلقائيا وخاضعا لمنطق التكرار وهو ما يجعله يكتسي صفته التي يحملها.
ويمكن تحديد أسباب الإجهاض المتكرر في عدة عوامل قد تكون متداخلة أحيانا لدرجة أنها تتطلب تشخيصا دقيقا. ومن أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث الإجهاض المتكرر ما يلي:
– العوامل الهرمونية
تبدأ الهرمونات بإنجاز وظائفها في جسم المرأة منذ اختراق الحيوان المنوي للبويضة، وتستمر إلى ما بعد أسابيع من ولادة الطفل، وأي اختلال مزمن في مهام الهرمونات الأنثوية قد يعرض المرأة لفقدان الحمل بشكل متكرر
* البروجستيرون
في الأيام الأولى من الحمل، يُفرز “الجسم الأصفر ” (the corpus luteum) في مبيض الحامل هرمون “البروجستيرون” (progesterone) حتى الأسبوع التاسع، وقد يستمر ذلك حتى الأسبوع 12 من الحمل حيث تبدأ المشيمة بإفرازه دون الاستعانة بالمبيض.
ويلعب هرمون البروجستيرون دور المحفز لنمو الأوعية الدموية التي تغطي بطانة الرحم، مما يخلق وسطا ملائما لانغراس البويضة بعد التخصيب، كما أنه مسؤول عن حث بطانة الرحم لإفراز العناصر الغذائية اللازمة للجنين في الأسابيع الأولى، فضلا عن أنه يمنع تقلص العضلات الملساء للرحم. وبالتالي قد يشكل نقص هذا الهرمون سببا لحصول الإجهاض بشكل متوالي.
* اضطراب هرمون الغدة الدرقية
يُعتقد أيضا أن اختلال هرمون الغدة الدرقية (TSH) -في ارتفاعه أو انخفاضه- مسؤول عن تكرار الاجهاض فغالبا ما تبدأ الأجسام المضادة للغدة الدرقية وهي جزيئات صغيرة في مجرى الدم بمهاجمة الغدة الدرقية، مما يجعلها لا تشتغل وظيفيا بشكل صحيح، بحيث يمكن أن يؤدي وجود مستويات عالية من الأجسام المضادة للغدة الدرقية إلى زيادة خطر الإجهاض.
* ارتفاع هرمون البرولاكتين
قد يكون لارتفاع هرمون الحليب أحيانًا دورا كبيرا في حصول الإجهاض، لكونه المنبه للغدة الدرقية لدى بعض النساء، كما أن ارتفاع مستويات الغدة الدرقية يمكن أن يكون العامل الفعلي الذي يرفع من فرص الإجهاض.
لكن، وعلى الرغم من أن أي اضطراب في مستويات هرمونات الجسم خلال فترة الحمل قد يكون له مضاعفات، إلا أن علاقة ارتفاع مستويات هرمون الحليب بالإجهاض لا تزال قيد البحث لأن من الطبيعي أن يبدأ الهرمون بالارتفاع تدريجيا قصد تهيئ ثديي الأم للرضاعة، مع ذلك يمكن لمستوياته المرتفعة بشكل غير طبيعي لحظة التعشيش أن تسبب فعليا في خسارة الحمل.
* ارتفاع مستوى السكري في الدم
يمكن لارتفاع السكري غير المُشَخَّص وغير المُعَالَج أن يرفع من خطر حدوث مشاكل صحِّية عند النساء الحوامل والجنين. يحدث عند هذا الأمر في الأجسام العاجزة عن إنتاج ما يكفي من الأنسولين.الذي يساعد على ضبط مستوى السكر (الغلُوكُوز) في الدَّم.
– العوامل التشريحية
أحيانا قد تؤدي المشكلات والتشوهات في الرحم إلى إجهاض متكرر للحمل، وتشمل المشاكل المحتملة ما يلي:
- أورام حميدة -غير سرطانية- في الرحم “الأورام الليفية”.
- رحم غير طبيعي الشكل.
– العوامل الصبغية
في بعض الأحيان يمكن أن يحدث خلل في نقطة ما ويتلقى الجنين عددًا كبيرًا جدًّا من الكروموسومات[2]، أو لا يتلقى عددًا كافيًا منها. غالبًا ما تكون أسباب ذلك غير واضحة، لكنَّ هذا يعني أن الجنين لن يكون قادرًا على النمو بشكل طبيعي؛ مما يؤدي إلى الإجهاض المتكرر.
– العوامل العمرية والوراثية
يتحكم عامل سن المرأة في حصول إجهاضات متتالية فكلما تجاوزت الثلاثين كلما كانت عرضة لذلك كما تتحكم بعض العوامل الوراثية والجينات فيما يخص الحمل بشكل كبير، فإذا كانت الأم قد عانت من الإجهاض المتكرر فيرجح أن تكون الابنة عرضة لذلك ولكن بنسبة معينة مع وجود بعض العوامل والمحفزات الأخرى كعمر الرجل، خصوصا بعد تجاوزه لسن الأربعين، حيث تقل جودة المنويات عددا وحركة وتزداد تشوهاتها.
– العوامل البيئية
قد تؤدي السموم البيئية التي قد تتعرض لها المرأة في الهواء أيضًا إلى إلحاق الضرر بالجنين، وخاصةً إذا كانت السيدة تعاني من التعرض المنتظم لهذه المواد، كما أن كثرة التدخين أو تناول الكافيين والمشروبات الكحولية يمكن أن يؤثر على نمو الجنين ويؤدي إلى الإجهاض المتكرر.
– العوامل المناعية
عندما يشتغل الجهاز المناعي بشكل صحيح، يمكنه التعرف على الحمل والتعامل معه على أنه حالة طبيعية، ولكن إذا كان يعاني من اضطرابات مناعية، يصبح الجنين في تهديد محقق، حيث يكون أكثر عرضة للهجوم من قبل كريات الدم البيضاء، مما يعرض الحامل لخطر الإجهاض.
– عوامل التخثُّر أو مايسمى باضطرابات تجلّط الدم
أحيانا قد يحصل خلل وظيفي في قدرة الجسم على التحكم في تشكيل الجلطات الدموية، فعندما لا يكون الجسمُ قادرًا على تكوين كمِّيات كافية من البروتينات اللازمة للمساعدة على تجلُّط الدَّم وإيقاف النزف يزداد التخثر فلا يحصل تدفق كامل لشعيرات الكيسة الأريمية أو البويضة المخصبة فيسقط الحمل مبكرا. وبالتالي عدم التشخيص الجيد لهذه الحالة قد يؤدي حتما إلى إجهاض جديد.
– الالتهابات المهبلية
قد تكون الالتهابات المهبلية الشديدة التي تعاني منها المرأة عائقا أمام حدوث الحمل، وقد تحدث الاباضة وتطلق البويضة ويتم التخصيب ويتكون جنين بالفعل داخل الرحم، ولكن تلك الالتهابات تتسبب حتما في سقوطه.
وفي المرة الموالية، قد لا تلاحظ الأم وجود تلك الالتهابات داخل الرحم، فيتكرر الحمل ثانية دون علاج، فتتعرض للإجهاض من جديد.
– بطانة الرحم المهاجرة (بالإنجليزية: Endometriosis)
نسبة كبيرة من النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة[3]، يجدن مشاكل في الحمل، وعند حصوله قد يتعرضن للإجهاض المتكرر، وربما الإجهاض المتأخر أي في الشهور المتقدمة من الحمل، وقد يتعثرن في عملية الولادة.
– الإصابة بعدوى داء القطط وبعض الفيروسات الأخرى
قد تصاب بعض النساء بعدوي فيروسية تتسبب في الإجهاض، ولعل أشهر أنواع العدوى هي عدوى المقوسات المعروفة بداء القطط، والتي تحدث بسبب الاحتكاك المتواصل بكل ماله علاقة بالتربة وعدم الحرص على تنظيف الخضروات من مخلفات التربة وكذا تناول اللحوم المصنعة، وعند حدوث الحمل قد ينتقل الفيروس للجنين فلا يكتمل، ويعد ذلك الداء من أحد الأسباب التي قد تتسبب في اجهاضات متكررة. علاوة على بعض الفيروسات الأخرى
- الإيدز
- الكلاميديا
- السيلان
- مرض الزهري
- الملاريا
- الحصبة الألمانية
- الذئبة الحمراء
– ضعف الحيوانات المنوية
قد يتفوق الحيوان المنوي في تخصيب البويضة وتكوين جنين داخل الرحم، ولكن عندما يكون ضعيفا لا يسمح ذلك بتطور الجنين بالشكل الملائم له داخل تجويف الرحم مما يؤدي إلى سقوطه، فبالرغم من سلامة المرأة وصغر سن الزوج وعدم وجود أي عوائق طبية، قد يكون ضعف الحيوان المنوي أحد العوامل الأساسية للإجهاض المتكرر.
– تكيسات المبايض
تعد متلازمة تكيسات المبايض سببا رئيسيا في تعطيل الحمل من البداية ولكن قد يحدث فعلا بالرغم من وجودها، لكن عدم تشخيص هذه المتلازمة يتسبب في سقوط الحمل غالبًا في الشهر الثاني له أو الثالث على أقصى حد.
نصائح ضرورية لتجنب حدوث الإجهاض المتكرر
الإجهاض عملية متعبة تفقد فيها المرأة جنينها والكثير من صحتها، العناصر والمعادن الغذائية التي يحتوي عليها الجسم ويخزنها، وقد تحتاج السيدة رعاية صحية ونفسية خاصة بعد حدوث الإجهاض وخاصة المتكرر، وللقضاء على هذا العائق الذي يحول دون تحقبق حلم الأمومة يجب عليها القيام بعدد من الإجراءات التي تتمثل في التالي:
- القيام بفحوصات شاملة للدم، للكشف عن وجود أي خلل في الغدد أو الإصابة بأي عدوى.
- تحليل الافرازات المهبلية وإجراء فحص تلفزي للمهبل قصد الكشف عن وجود أي التهابات داخلية، أو وجود تكيسات لتناول العلاج المناسب.
- القيام بزيارات دورية للطبيب المعالج قصد تتبع الحالة وتشخيص الوضع الصحي للشريكين بشكل مستمر.
- عدم التعرض لأي ضغط بدني أو عصبي بالتزام الراحة التامة.
- عدم التفكير في حصول حمل جديد دون معرفة السبب في تكرار الإجهاض.
- ضرورة خضوع الزوج لتحليل الحيوانات المنوية، للكشف عن وجود أي خلل بها.
- تناول وجبات صحية، لتعويض الجسم عن كل ما فقده من عناصر ومعادن غدائية جراء تتالي فقدان الحمل.
- التوقف عن احتساء الكحول والتدخين.
- تغيير نمط العيش.
- الثقة في كفاءة الجسد وعدم التوقف عن الحلم بالأمومة دون الاستغراق والمغالاة في الحلم.
- اعتبار كل دورة جديدة مفتاحا لتحقيق الحمل.
- عدم التفكير المفرط في الحمل حتى لا تصير العلاقة الزوجية مجرد روتين متناهي، لأن التفكير المستمر في الحمل يؤثر على العقل الباطني سلبا ويحصل ما يسمى بالعقم النفسي.
- ضرورة احتواء الزوج لشريكة عمره، والتوقف عن إدانة المرأة باعتبارها المسؤول عن الإجهاض، من خلال تجنب التدخل في خصوصياتها الزوجية مادام الأمر يتعلق بها وبالرجل فقط.
- ضرورة الانفتاح على تجارب النساء اللاتي تعرضن لنفس المشكل، قصد المشاركة وتجنب الشعور بأن الإجهاض مسألة فردية- ذاتية.
- الثقة في القدرة الإلهية.
[2]الكروموسومات عبارة عن كتل من الحمض النووي تتضمن مجموعة مفصلة من التعليمات التي تتحكم في مجموعة واسعة من العوامل، من كيفية تطور خلايا الجسم إلى لون عيون الطفل وبنيته المستقبلية.
[3] هي حالة يتم فيها العثور على نسيج مشابه لبطانة الرحم في أماكن أخرى من الجسم خارج الرحم وخاصة في منطقة الحوض، ومن هذه الأعضاء المبيضين وقناة فالوب، المثانة والأمعاء والمستقيم والمهبل.