اضطراب الغربة والحكم على الاخر

راوية المصري

هل هى غربة الروح أم غربة الجسد، ام كليهما معا!!، نعم انها الغربة التي واجهها كل انسان من بداية خروجه خارج حدود وطنه، وتركه لأهله، وذكرياته، وبيته، واصحابه، ومحيطه.

الوطن وما ادراك ما الوطن، هو انتماء، وليس كما يعرفه البعض بأنه تراب أو سماء أو هواء، فكل هذه الأمور أشياء مادية محسوسه والوطن أعظم من ذلك بكثير، أعظم من هذه الماديات والمحسوسات.

لهذا ساسرد هذه القصة لابرهن على ان الاغتراب ليس هيناً، وان المغترب يملك من المشاعر والاحاسيس ما يملكه غيرهم.

في صباح يوم ممطر بينما كنت في طريقي الى البيت عائدة من زيارة الطبيب، وبينما كنت جالسة في القطار وبعد عدة محطات، بدا وان الهدوء الذي سيطر على عربة القطار امر في غاية الغرابة، البعض يقرأ الجريدة، والبعض الاخر يقلب في هاتفه، والبعض يغمض عينيه في غفوة عميقة.

كان حال العربة يشكل هدوءاً تاما، توقف القطار في محطة لتبديل الركاب، رجل ومعه اربع اطفال ليدخل الى العربة اكبر الاطفال كان قرابة التسع سنوات، بدا لي الرجل وكانه اجنبي، جلس الى جانبي، نظرت اليه واذا به وكأنه في شبه غيبوبة، بدأ الاطفال بالركض على طول العربة رايحين وهم يصرخون ويقفزون ويخطفون الهواتف والصحف من بعض الناس في حالة هستيرية.

فوضى عارمة احدثها الاطفال بعد الهدوء، انتظرت والدهم حتى يهدأ اطفاله، او يقول لهم شيء ما، ولكن الاب كان غائب تماما فقط يرفرف في عينيه، ازعجني جدا هذا الوضع لان الطريق طويل ولا يوجد مكان اخر في القطار يمكن اللجوء اليه.

توجهت نحو الرجل وقلت له : في مجال تهدي اولادك، لم يفهم الرجل ما قلت، فرد علي باللغة العربية : انا لا اتكلم اللغة السويدية، كررت سؤالي بالعربية، وفجأة بدات دموعه تنهمر بغزارة، عندها احسست بالذنب، حاولت ان اهدأ من روعه وافهم ما الذي يبكيه كل هذا البكاء، قال لي : انا جديد هنا جئت فقط من اربع ايام والان انا عائد من المستشفى، وام هؤلاء الاطفال ماتت قبل قليل، وهذه ليست عادة اولادي ولكن الظاهر انهم يعبرون بطريقتهم عن حزنهم وفراق والدتهم.

لم اتمالك نفسي واصابني الحزن الشديد ولم اعرف كيف اتصرف او ماذا اقول، احسست نفسي تائهة تارة وظالمة تارة واكثر ما احزنني عندما قال لي انه لا يعرف احد هنا، ولا يتكلم السويدية ولا اعرف كيف ادفن زوجتي، واين اذهب باطفالي، عندها كان علي ان ارشده كيف يدفن زوجته قبل ان يحين موعد الحرق لان من المعروف ان الحرق ارخص ثمن من الدفن.

عدت بأطفاله الى منزلي حتى ينهي الرجل واجباته امام زوجته المتوفية، ولاحاول ان اخفف عنهم ما هم فيه من الم، فمن منا لم يكتو بنار حرقة بعده عن أهله وعن وطنه، من منا لم يذرف الدموع، علها تخمد ببرودتها حرقة الاشتياق حينما يشتدان بأروقة القلب، أو تذيب بحرارتها صقيع الوحشة الموحشة وسط حشد كبير من الذكريات لملامح الوجوه وروائح الأمكنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى