الاصلاح السياسي في اقليم كوردستان

سردار سنجاري : ادرابيجان

مصطلحات عديدة شملت مفهوم الاصلاح السياسي ومنها على سبيل المثال التغير السياسي او التحديث السياسي والتنمية السياسية . وكل تلك المصطلحات تصب في خانة واحدة وهي التغيير نحو الاحسن لوضع سيّء او وضع غير طبيعي قد يقود العملية السياسية الى نفق مظلم يصعب الخروج منه . وبما ان اقليم كوردستان العراق هو جزء من بيئة شرق اوسطية غارقة في الفساد السياسي والاداري والاقتصادي فان من واجب كل من يلم بالعلوم السياسية والاقتصادية وكذلك العلوم الانسانية ان يبحث عن مخارج تساعد الدولة في انقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان . في البداية علينا ان نعي ان الاصلاح بكافة انواعه لا ياتي بالخطابات السياسية ولا بالاقوال ، انما يحتاج الى ارادة حقيقية وتصميم يضع مصلحة الامة والشعب فوق كل المصالح والاعتبارات سواء كانت ذاتية او غير ذلك . واذا ما نظرنا اليوم الى ما الت اليه الاوضاع في الكثير من الدول المحيطة باقليم كوردستان وبالاخص العراق الذي نحن جزء منه ونتاثر به بنسبة كبيرة فان الاصلاح السياسي فيه يمر باسواء المراحل في تاريخه المعاصر وربما عبر مسيرته التاريخية بالمجمل . حيث يعتبر العراق اليوم من بين اكثر الدول فسادا في المجالات السياسية والاقتصادية ومتراجعا علميا وانسانيا حسب موشرات الامم المتحدة وتقاريرها السنوية . ولَم يستوعب العراق بعد ان الاصلاح السياسي يجب ان يكون ذاتيا من الداخل وليس مفروضا من الخارج وذو طابع شمولي يحمل في طياته صفة الاستمرارية ، وواقعيا ينطلق من واقع الدولة وطبيعة الاختلالات القائمة المراد اصلاحها وان يكون تدريجيا وان لا يكون سريعا ويركز فيه على المضمون والجوهر لا الشكل وباعتقادي يجب أن يتلازم مع البنى الفكرية القائمة لأن حالة التعديل يرى أنها حالة ذهنية بمعنى أن تكون مستوعبة ومدركة عقلياً من الخاصة والعامة على السواء ناهيك عن أهمية الشفافية والوضوح وألاّ يكون في طياتها غموض أو قفز نحو المجهول.
إن تغير او تعديل واقع الأنظمة السياسية والانتقال من حالة إلى أخرى أي من بنى تقليدية إلى بنى محدثة لمواكبة العصر ومتغيراته من مضامين تدفع باتجاه الحرية التي تستند إلى الاختيار والتي هي نواة الديمقراطية وجوهرها الحقيقي ، وهي تتطلب مستوى معين من المؤسسية أي وجود معايير قانونية تحكم عمل المؤسسات بعيداً عن الجمود والشخصانية والتحكم أو التسلط كماده حال النظام السياسي في العراق ، فإن وجود هذا المعيار مهم جداً لاستيعاب المطالب والقدرة على إدراك التوقعات التي يحدثها الإصلاح ، وبدون ذلك سينهار النظام السياسي أو يتعرض لحالات انعدام الاستقرار السياسي ، فالأهم مراعاة المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية للمكونات الاجتماعية لأن عامل الاستقرار السياسي المؤشر له بحالات الانتقال القانوني من حالة إلى أخرى مرتبط جذرياً مع مفهوم الشرعية السياسية والتي تعني تطابق قيم النظام السياسي مع قيم الناس وإلا ما فائدة الإصلاح حين يقود إلى تراجع الشرعية السياسية.
إن الإصلاح السياسي مهم لأي نظام سياسي يريد الاستمرار والبقاء لأنه ذو علاقة مباشرة في التكيف السياسي واستيعاب المتغيرات السياسية والاجتماعية وهو عكس الجمود إذ إن الأنظمة الجامدة التي لا تستطيع التكيف هي الأسرع في الزوال ، والتغير هو سنة المجتمعات الإنسانية مهما كانت درجة تطويرها ، ومبرراته دائماً موجودة.
وبما ان اقليم كوردستان حالة خاصة فانه علينا تسليط الاضواء على عملية الاصلاح السياسي في الاقليم بشفافية . اما ما يخص الدول الجوار فان ذاك شان داخلي قد نستفيد من ايجابياته ونتجنب سلبياته .

ان عملية الإصلاح السياسي في اقليم كوردستان تحتاج الى تقبل الحكومة الكوردية للمشاركة المجتمعية في صنع وتنفيذ السياسات العامة وهذا ياتي من خلال تفعيل دور الموسسات المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني التي يجب اعطائها المكانة القانونية والحقيقية في المساهمة في صنع القرار السياسي وابدا الراي فيما يخص متطلبات المجتمع سواء السياسية او الاقتصادية والاجتماعية ، وما يتعلق بوجود فصل حقيقي بين السلطات بقدر من التوازن.
وتعد الوقفة بأوجه الفساد أولى خطوات الإصلاح، فالإصلاح الحقيقي يحتاج محاربة الفساد، حيث ان الفساد مشكلة أخلاقية بالدرجة الأولى وتكون هذه المشكلة متأصلة بالأصل والجوهر. وقد طرح السيد مسرور البارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان في بداية تسلمه حقيبة رئاسة الوزراء برنامجا للقضاء على الفساد مما دفع الكثير من الشخصيات الكوردية التي تتطلع الى الانتقال الحقيقي بالاقليم من حالة الركود الى حالة الانعاش الى الترقب بما قد تأول اليه الامور في حال تم تنفيذ تلك الرغبات . ولكن اليوم وبعد مرور ما يناهز العام عن طرح برنامج الفساد لم يلمس المواطن الكوردي اي تغير حقيقي في العملية الاصلاحية مما دفع الكثير من المراقبين المحليين والدوليين الى البحث عن الاسباب التي منعت تنفيذ ما رغب في تحقيقه السيد البارزاني منذ تولية رئاسة الحكومة . وبراي الشخصي ان العوامل الداخلية والضغوطات الحزبية التي مورست من قبل الاحزاب السياسية الكوردستانية الحاكمة لعبت دورا سلبيا . وكذلك الوضع الداخلي العراقي المزري والذي تسبب في انتفاضة الشباب في المطالبة بحقوقهم وتوفير فرص العمل لهم كان وتاخير تشكيل الحكومة المركزية لعب دورا في التباطؤ في تنفيذ مشروع الاصلاح والفساد . ولكن رغم تلك الاسباب على حكومة الاقليم البدء في البحث عن البدايل الممكنة من الشخصيات المناسبة والمعروفة بنزاهتها واخلاصها وتقريبهم من اصحاب القرار السياسي ليكونوا على استعداد لتسلم المواقع التي يشغلها الفاسدون وان يتم ايجاد المخارج القانونية لايعادة الاموال المسلوبة والتي هي من حق الشعب .
واذا كنّا نعتقد بان الاسلوب الديمقراطي قد يكون حلا فالديمقراطية بمفردها لا تكافح الفساد لأنها آلية حكم توفر منظومة سياسية فقط، بل تحتاج معاونات تعينها في مكافحته كنشر قيم الشفافية والنزاهة وتثقيف الأفراد بمخاطر الفساد المدمرة. ويتطلب الاصلاح استخدام آليات متعددة منها الشفافية وتعني الإنفتاح الكامل على الجمهور في كل السياسات والممارسات. ومنها المساءلة وذلك بإشراك الجمهور بعد الإطلاع على سياسات الحكومة بابداء رأيه بتلك السياسات. ومنها حسن الحكم الذي يعني الترميم والدقة والوعي في كل ما يتعلق بقضايا الدولة.وهذه تاتي كما اشرنا سابقا في مشاركة منظمات المجتمع المدني التي عليها دورا هاما وتاريخيا في هذه المرحلة وبالتحديد في اقليم كوردستان الذي وفر للمنظمات المدنية الغير حكومية الفسحة الكافية من الحريات في العمل ووفر الحماية القانونية ولكن للاسف غالبية تلك المنظمات ماتزال تسعى الى تحقيق الاطماع الفردية وكسب الالقاب والمسميات الفخرية بدل من ان توجه جهدها وامكانياتها في تمكين الحكومة والشعب لايجاد الحلول الحقيقة للاصلاح .
ان تعدد تمظهرات الفساد وتجلياته يقتضي تحليليا استدعاء مفاهيم كالمحاسبة ، المسوولية ، النزاهة ، القانون وبالتاكيد الحق وهذه مفاهيم تخص العملية الديمقراطية بالتحديد . وعليه فان كل خلل وظيفي يصيب النسق السياسي على مستوى تدبير وادارة الحكم هو وجه من وجوه فساد اللعبك السياسية وهنا نواجه خللا في المعنى الاجتماعي والثقافي وعندها تختفي القيم الديمقراطية باعتبارها رموزا وسياسة لتحقيق العدالة الاجتماعية لتحل محلها : ( المحسوبية والتي يعاني منها الاقليم في الدرجة الاولى حيث اصبحت احد الافات التي لا يمكن التخلص منها بسهولة وذلك لاعتبارات تاريخية او عشائرية او حزبية . وتاتي الرشوة لتكون بمثابة السرطان في جسد الامة وتفشيها يعني القضاء على القيم الاخلاقية والانسانية وتدمير الذات قبل تدمير المجتمع ، وكذلك تعتبر الزبانية من الاسباب التي قد تقودنا الى تعطيل مفهوم التكافؤ الاجتماعي حيث يتم تفضيل شخص على اخر من خلال العلاقات الاجتماعية او غيرها . وتتوج تلك الافات بالظلم والاستبداد والاستبعاد الاجتماعي وهو ما بات يميز المجتمعات الشرقية مع اختلاف درجات الفساد السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى