
قد أبى وزير التعليم إلا تنزيل عيده المتعلق بالدخول المدرسي على غرار عيد زميله بوزارة الفلاحة الذي تشبث بدوره بإحياء شعيرة عيد الأضحى رغم أن كل المؤشرات كانت تنذر بانتشار وباء “كورونا” وبزيادة عدد الإصابات والوفيات. وهو ما وقع على أرض الواقع، حيث تحول العيد إلى مأساة ومناسبة لإثارة الأوجاع والآلام، فأصبحنا نشكو من بؤر التجمعات السكنية وبؤر المخالطين وبؤر المعامل والضيعات الفلاحية ، وبؤر المؤسسات الإدارية، ووصل الوباء إلى العالم القروي . وقد تطور الوباء بشكل جعل الكل يحبس أنفاسه خوفا مما هو مقبل في قادم الأيام، حتى أنه لم يعد للجهات المسؤولة جواب عن الأسئلة التي تحاصرها من كل جانب .
والآن يطرح المشكل من جديد بسبب العيد المدرسي الذي تشبث به الوزير وعض علي بالنواجذ، مدعيا غيرته على أبناء المغاربة، وحرصه على تعلمهم وانتشالهم من براثن الجهل، وأبى كليا أن يتزحزح عن موقفه رغم مناشدة كل الأطراف والجهات بتأجيل الدخول المدرسي وليس إلغاءه .. فإذا كان هناك من يغار على مصلحة التلاميذ حقيقة فهم أولياؤهم، فهم أحوج ما يكون إلى عودة فلذات أكبادهم إلى مقاعد الدراسة من أجل أن يستريحوا من مناوشاتهم وشغبهم في ظل ظروف الحجر الصحي، لكنهم غير مطمئنين إلى العواقب بسبب سوداوية المشهد حاليا. فكل القرائن تبين أننا ما زلنا في المنطقة الرمادية، ولذلك يستحسن عدم المغامرة بهذا القطاع الهش والزج به في متاهات يصعب الخروج منها، لأن الأمر يتعلق بطبقة هشة تتعلق بالأطفال وصغار السن وبالأحداث والشباب الذين لا يمكن التحكم في حركيتهم ونشاطهم الطبيعي مهما كانت الحواجز التي يمكن وضعها أمامهم ،.. وهو ما يثير الإحساس بالخوف من انتقال العدوى إلى أوساط التلاميذوالطلبة بكل فئاتهم وكذلك إلى الأطر التعليمية بشكل لا يمكن التحكم فيه، فنكون في النهاية أمام بؤر جديدة داخل المؤسسات التعليمية ..
لكن يبدو أن الوزير قد ظل وفيا لتصوره المغلق رغم التوضيحات التي قدمت له داخل البرلمان وعبر كل الهيئات والمنظمات ووسائل الإعلام، فقد أبان عن تمسكه بعقيدة ” ولو طارت معزة “، فليسقط كل شيء، ولا تسقط كلمته ووجهة نظره التي نتمنى أن تكون صائبة، وأن تجد طريقها إلى التطبيق السليم دون أن تخلف كوارث أخرى تنضاف إلى كوارث عيد الأضحى .
وإلى آخر نفس، نتوجه إلى سيادته ببعض الأسئلة انطلاقا من مبدأ، “ولكن ليطمئن قلبي” :
إن المطلب الرئيس بالنسبة للرأي العام كان هو تأجيل الدخول المدرسي لفترة محددة من أجل الإعداد الجيد لهذه المرحلة، وتوفير الوسائل والإمكانيات التي من شأنها إنجاح خطة الوزارة، وفي نفس الوقت حفظ حياة التلاميذ والأطر التعليمية من الخطر، بل حماية الأسر والعائلات أيضا، لأن التلاميذ سيتنقلون إلى لمؤسسات ويرتادون الأوساط التي قد تكون موبوءة وهم لا يدركون ذلك، فينقلون المرض إلى بيوتهم. ولا نتحدث عن التعليم عن بعد الذي يمكن أن يكون هو نقطة الانطلاق بعد تقوية أسسه وقواعده، وإنما عن التعليم الحضوري وتبعات، فهو الطريق المحفوف بالخطر ، حيث لا يمكن التكهن بالنتائج مهما تحمس الوزير لوجهة نظره واختياره ..
فإذا صدقت النية، يمكن التوجه إلى سيادته بعدد من الأسئلة بخصوص هذه المغامرة التي يقدم عليها :
من أجل ضمان شروط السلامة والتأكد من وجود 0 وباء داخل كل مؤسسة تعليمية، هل سيتم إخضاع الأطر التعليمية للفحص من أجل التأكد من براءتهم من كوفيد 19 قبل دعوتهم لزيارة المدارس يوم 2 شتنبر بهدف تهييئ الدخول المدرسي والاستعداد لاستقبال التلاميذ؟
وماذا سنقول بالنسبة لكل التلاميذ، هل سيخضعون بدورهم للكشف من أجل التأكد كذلك من حالتهم الصحية حتى لا يتحولوا إلى أداة لنقل العدوى، أم سيقول الوزير إن هذه الشريحة محصنة ضد الإصابة بهذا المرض.؟
وكيف سيتم التعامل أيضا مع أولياء التلاميذ بالمؤسسات التعليمية، والذين يظلون يرافقون أبناءهم الصغار، خصوصا في كل أوقات الدخول والخروج. فهل سيخضعون بدورهم لإجراء الفحص ؟ وهل سيكون هؤلاء سالمين جمعها، ولا غبار على حالتهم الصحية .؟
أما فيما يخص البنيات المدرسية وفضاءات الاستقبال داخل المؤسسات، فإن الملمح العام هو افتقار معظم المؤسسات التابعة للتعليم العمومي للتجهيزات الكافية، وخصوصا في الجانب المتعلق بالمرافق الصحية الكافية والمؤهلة، وكذلك الفضاءات الخاصة بالاستراحة، فضلا عن ارتفاع معدلات التلاميذ في القسم .. وضيق الممرات، وغياب حنفيات المياه والمغاسل، وكل ما يتعلق بشروط النظافة والصيانة. وحتى لو كانت بعض المؤسسات محظوظة بفضل تضحيات جمعيات الآباء، فإن أغلب المدارس على مستوى كل الأطوار التعليمية تمر بحالة مزرية، حيث لا يعثر التلاميذ على مرحاض أو مرفق صحي مناسب، ولا على الماء من أجل الشرب، وبالأحرى أن يخصص للنظافة والتعقيم .. وهل ستخضع كل المؤسسات لعملية التنظيف والتعقيم المستمر طيلة اليوم؟ وحتى لو تحملت هذا العبء بمساعدة جمعيات الآباء، فهل تتوفر أصلا على العدد الكافي من الأعوان الذين سيقومون بهذه المهمة؟، وهل سيشمل ذلك التلاميذ؟ ومن سيتولى تعقيم أيديهم كل مرة ؟ وكيف سيؤتمن التلاميذ على حمل مواد التعقيم معهم داخل المؤسسة ؟ إنها أسئلة كثيرة ومزعجة تتردد في الأذهان..
ولا تشكل مدارس التعليم الخصوصي إستثناء في هذا الباب إلا بنسبة محدودة، حيث يعاني الكثير منها من غياب فضاءات الاستقبال، لأنها أنشئت بكيفية عشوائية داخل مباني سكنية لم تكن مهيأة أصلا لتكون مدرسة، فهي تفتقر إلى القاعات الدراسية المؤهلة، وإلى الساحات، والممرات، بل كل المواصفات، كما تعتمد على تكديس التلاميذ داخل غرف ضيقة وسراديب مغلقة، بل حتى ساحات اللعب والاستراحة مفقودة أو معلقة فوق أسطح المباني، كما أن السلالم والأدراج الضيقة والمعلقة تجعل التلاميذ يتحركون بصعوبة مكبلين وسط الازدحام في ظروف محفوفة بالخطر ..
وهناك عامل آخىر يقترن بمجريات الحياة لمدرسية بالنسبة لأغلبية التلاميذ وهو النقل العمومي أو النقل المدرسي،، فما هي الظروف التي سيتحرك فيها التلاميذ؟ وهل يوجد النقل الكافي لإيوائهم ونقلهم في ظروف آمنة دون تعريضهم للخطر والتقاط العدوى في الطرقات، خاصة وأن الكل يدرك أن قرار تقليص عدد الركاب بالنسبة لسيارات الأجرة قد تسبب في أزمة خانقة في وسائل النقل، حيث إن أغلب المواطنين تحولوا إلى فريسة لأخطبوط السائقين الذين يضاعفون التسعيرة . كما أنهم لا يجدون مخرجا إلا بقبول التكدس والاختناق داخل حافلات النقل الحضري وعربات النقل السري أو المزدوج ، وإلا فإنه لن يذهب أحد إلى المدرسة أو الجامعة، ولا يمكنه أن يعود إلى بيته. وكف سيتم التعامل مع وسائل النقل المدرسي أيضا، والحالة هذه أنه تخضع لعملية شحن بالتلاميذ والطواف بهم داخل أرجاء المدينة ..
فهذه هي الوضعية التي سنواجهها مع الدخول المدرسي المتعجل، وخصوصا في ظل تأزم الحالة الوبائية.. فهل سنسلم هذه المرة من تكرار كارثة عيد الأضحى ؟ وهل يضمن سيادة الوزير تجاوز هذه المرحلة بدون خسائر؟ ذلك ما يتمناه الجميع، لأنه لا أحد يرضى بأن يضيع مستقبل أبنائه ويحكم عليهم بالخسارة والجهل. لكننا فقط نريد توفير شروط الانطلاقة الجيدة وتلافي كل الأخطاء التي يمكن أن تزري بالبلد مرة أخرى. ولن يكون الأمر هينا، لأنه يتعلق بالرأس مال البشري وبأجيال الحاضر والمستقل..
والخوف كل الخوف هو أن تكون هناك نية لإجهاض كل نجاح يتحقق على درب مكافحة الجائحة. فقد رأينا في المرة الأولى كيف كان المغرب يسير ثابت الخطوات حتى أصبح يضرب به المثل، وبدأ الاستعداد لطي الصفحة نهائيا، لكنه جاء من قال” هيا بنا إلى أحضان عيد الأضحى ” الذي حركت تقاليده حفيظة الوباء من جديد، فعاد بكل شراسة وقوة .. ونفس السيناريو يعاد حاليا، ففي الوقت الذي تبذل فيه كل الجهود لكبح جماح إنتشار الوباء، يتدخل وزير التعليم على الخط في ظروف ملتبسة وغير مفهومة ليزيد الطين بلة، حيث إنه ضرب بكيفية أحادية موعدا مع الدخول المدرسي” دون تردد أو تنازل أو تشاور مع مختلف المتدخلين في انتظار تهيئة الظروف الملائمة وإعداد الوسائل والإمكانيات التي يتطلبها الموقف. ومن أجل تبرير موقفه، حرص على أن يتغطى بالآباء الذين دعاهم لتحمل مسؤوليتهم، ووضع المشنقة في عنقهم عن طريق توقيع إلتزام.. فهل ستتحمل الوزارة كل مسؤوليتها تجاه كل القضايا المطروحة، والتي لا يمكن تجاهلها؟ وهل ستساهم فعلا في تذليل الصعاب وتوفير الضروريات لإنجاح خطة العودة إلى المدرسة ؟
ومع ذلك، نقول للوزير، قلوبنا معكم ومع التلاميذ كان الله في عونهم، ومع أسرة التعليم، وإننا ندعو لكم بالتوفيق والنجاح، لأنه سيكون نجاحا للوطن ولكل المغاربة، ونتمنى أن تسلم الجرة هذه المرة، وألا يتحول كل عيد عندنا إلى علامة شؤم ومصدر لتحريك الآلام وإثارة الأشجان والخوف من المستقبل..
المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين