
بقلم الأستاذ: أيوب الهسكوري
في السنوات الأخيرة، عرف المغرب – كما هو الحال في العديد من البلدان العربية– طفرة ملحوظة في مجال “الكوتشينغ” أو ما يُعرف بالتدريب الشخصي. انتشرت الدورات، الفيديوهات، والصفحات التي تُروّج لبرامج واعدة بـ “تحقيق النجاح“، “جذب الثروة“، “الشفاء من الأزمات النفسية“، و“تحقيق الذات في أيام معدودة“. ورغم أن هذا الحراك يبدو للوهلة الأولى مؤشراً على وعي مجتمعي متزايد بأهمية التنمية الذاتية، فإن الواقع يُظهر أن ما يجري خلف الكواليس في كثير من الأحيان ليس سوى عملية نصب ممنهجة، تتغذى على ضعف التأطير، وتُدار بخطاب تسويقي مموّه.
و تكمن المعضلة الأساسية في أن مجال الكوتشينغ في المغرب يفتقر إلى إطار قانوني واضح ومُلزم. لا توجد جهة رسمية تُرخص للممارسين، ولا معايير معتمدة لتحديد من هو المؤهل لمزاولة هذه المهنة الحساسة، التي تتقاطع مع مجالات علم النفس، التربية، والتوجيه المهني. هذا الفراغ يُتيح لأي شخص، حتى دون تكوين أكاديمي أو خلفية متخصصة، أن يعلن نفسه “كوتشاً” ويبدأ في تقديم “استشارات” تمس الحياة الشخصية والنفسية للناس.
والأخطر أن بعض هؤلاء “الكوتشات” لا يتورّعون عن تقديم وعود خيالية لزبنائهم: الثراء السريع، تجاوز الاكتئاب دون الحاجة لطبيب، الشفاء من صدمات نفسية مزمنة بجلسات “تحفيزية“. في الواقع، ما يقدمونه غالباً لا يتجاوز خطاباً إنشائياً يستخدم تقنيات الإيحاء والخطابة، دون أي سند علمي أو التزام أخلاقي. وقد يؤدي هذا النوع من التدخلات السطحية إلى تعميق جراح المستفيدين بدل مداواتها، خاصة حين يُثنى الناس عن التوجه إلى مختصين مؤهلين.
و يتفنّن بعض الكوتشات في الترويج لخدماتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدمين عناوين رنانة من قبيل: “غيّر حياتك في 5 أيام“، “اصنع ثروتك من لا شيء“، أو “ودّع الاكتئاب بدون دواء“. هذه الرسائل تستهدف شرائح اجتماعية هشّة، أبرزها الشباب العاطلون عن العمل، المراهقون، وربّات البيوت، ممّن يتوقون إلى بصيص أمل أو فرصة للخروج من واقعهم الصعب.
وتُطلب مقابل هذه “الدورات” مبالغ مالية باهظة، قد تصل إلى آلاف الدراهم مقابل ساعات قليلة من الحصص الفردية، غالباً ما تفتقر إلى أي محتوى فعلي ذي قيمة. وفي أحيان كثيرة، يُمنح المشاركون “شهادات” بلا أي اعتماد رسمي، ويتم إيهامهم بأنهم أصبحوا مؤهلين بدورهم لممارسة الكوتشينغ، مما يُعيد إنتاج دائرة جديدة من النصب والخداع.
و أمام هذا الواقع المقلق، يصبح تدخل الجهات المعنية ضرورة ملحّة وليس ترفاً مؤسساتياً. من الواجب على وزارات الصحة، والتربية الوطنية، والتضامن والإدماج الاجتماعي، العمل على سنّ تشريعات تضبط المجال، وتُحدّد شروطاً صارمة لمزاولة مهنة الكوتشينغ، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالصحة النفسية. كما يجب أن يلعب الإعلام والمدرسة و المسجد والمجتمع المدني دوراً توعوياً أساسياً لتحصين المواطن من هذه الظواهر المُضللة.
و مما لا شك فيه أن الكوتشينغ، حين يُمارس من قبل متخصصين مؤهلين، يمكن أن يكون أداة فعالة في دعم الأفراد، وتحقيق التنمية الشخصية والمهنية. لكنه في ظل الفوضى القانونية وغياب الرقابة، تحوّل في العديد من الحالات إلى آلية استغلال ممنهجة لأحلام الناس وأزماتهم، تحت غطاء التنمية الذاتية.
على المواطن المغربي أن يكون يقظاً، متسائلاً، ناقداً، وأن لا يُسلّم وعيه لأي “خبير” يقدّم له التغيير في علبة مغلقة. فالسعي نحو الأفضل حق مشروع، لكن دون وعي نقدي، قد يتحوّل إلى فخّ جديد يبتلع الثقة والمال، وربما أكثر.