المرأة السياسية بالمغرب – قبل القرن 19

الدكتورة هنية ناجيم مالكي 

حين نقول المرأة، فإننا نحيل على كل أفراد المجتمع، وليس نصفه فحسب؛ لأن المرأة هي من  أهدت إلى الوجود المرأة والرجل على حد السواء، ولولا رعايتها لما كبر الطفل وصار مجتمعا وعُمِر العالم.

وسأخص مداخلتي باستعراض بعض النساء، من سطرن بماء الذهب سيرتهن على مستوى الساحة السياسة  للمغرب. هؤلاء النساء، لم يكتفين فقط بتدبير شؤون مؤسساتهن الصغيرة، التي تتجلى في أسرهن، وهي مؤسسات تعد ركن وعماد أساسي لازدهار المجتمعات. بل وقد قبضن بيد من حديد على زمام تسيير شؤون الدولة وقيادتها بحنكة. حيث يزخر تاريخ المغرب بسير لنساء كن على قدر عظيم من المسؤولية في القيادة والحكم، نافسن الرجال حنكة وقوة ودهاء.ىحيث لا زال التاريخ يردد سيرهن… ونكاد نجزم أنهن فقن النساء السياسيات في حقبة مصر الفرعونية (كالملكة حتشبوست والملكة كيليوباترا، أو إبان العصر الإسلامي كالملكة شجرة الذر مثلا)، وملكات العالم الغربي (إيليزابث الأولى مثلا).

وسنستهل بسيرة تينهنان.

  1. تينهنان: والتي عاشت في منتصف القرن الرابع، وأوائل القرن الخامس الميلادي.

وإسم تينهنان مركب من جزأين (تين- هنان)، وهو لفظ من لهجة التلماهاك القديمة وتعني باللغة العربية ناصبة الخيام.

وهي ملكة قبائل الطوارق، وحكمت في القرن الخامس الميلادي، وقامت بتنظيم مجتمع الطوارق. وقد فرت من زواج أرغمت عليه في تافيلالت من طرف أبيها، هاربة مع خادمتها تاكمات. حيث قامت بسلك طريق خطير واستقرت بواحة مهجورة بالجزائر.

وقد كانت تينهنان ذات جمال مبهر وشخصية كاريزماتية قوية، تمكنت من تكوين وتحكم مجتمعا وتقوده سياسيا وعسكريا واقتصاديا…، حيث استطاعت بحنكتها أن تجعل من الواحة الخلاء منطقة خصبة ومهدا لشعب كامل، وتجعله مجتمعا مزدهرا، واستطاعت ربط علاقات مع التجار الذين عبروا الصحراء… وعلى إثر خوضها لحروب مع القبائل العدو أصيبت في قدمها وأصبحت عرجاء الأمر الذي تسبب في وفاتها.

  1. الملكة ديهيا/ الكاهنة:

سيرة ملكة أدهشت كل متصفح لتاريخ النساء السياسيات بالمغرب. هي ملكة أمازيغية، عاشت في أوائل القرن الثامن الميلادي (585-712).

والملكة ديهيا، إمرأة جمعت بين الجمال والدهاء السياسي والعسكري، وتم تنصيبها على رأس الأوراس. ونعتت بالكاهنة لقهرها عسكريا الرجال، فهو لقب أطلقه عليها المنهزمون أمامها في الحرب، بحيث رفضوا بأن تهزمهم إمرأة.

 

((الأمر كان مسلما به في أوربا خلال القرون الوسطى وإلى غاية القرن الثامن عشر؛ حيث نعتت المرأة بالساحرة حينما كانت تتميز في ميدان الطب والعلوم، ويتم محاكمتها حرقا وهي على قيد الحياة. ولم يكن هناك استثناءات سوى النسوة اللاتي كن مقربات من الملوك، ك Madame de Pampadour التي كانت خليلة الملك لويس الخامس عشر (1727-1764)، التي كانت تتمتع بسلطة سياسية وثقافية…، بل وكانت ترعى الفلاسفة والكتاب، وقد كانت المغربية الجليلة فاطمة الفهرية سباقة  إلى الأمر بقرون، حين أنشأت جامعة القرويين عام 859 ميلادي، ورعت بذلك علوما شتى، واستفاد منها علماء عالميين ومسلمين…، كإبن رشد، ودرس سيلفستر الثاني غيربرت دورياك، الذي شغل منصب البابا من عام   999 إلى 1003، ويرجح أنه هو من أدخل الأعداد العربية بعد رجوعه إلى أوروبا.. كما أن الطبيب والفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس في الجامعة. وقد ساهمت في نقل المعرفة بين البلدان المتوسطية المختلفة)).

فالملكة الكاهنة عرفت عبر التاريخ المغربي أنها كانت ذات حنكة في التخطيط الإستراتيجي للحروب وفازت فيها، وهي من اتبع سياسة الأرض المحروقة عندما اشتد وطيس الحرب بينها وبين المسلمين، لصدهم عن البلاد التي كانت تحكمها من الأوراس إلى طرابلس. وتم قتلها في معركة طاحنة امتدت لسنوات. وقد قطع رأسها وحمل إلى القائد حسان بن النعمان،  وماتت عن سن يناهز 125 سنة، وهناك من يقول 127 سنة.

  1. السيدة الحرة:

إبنة الأمير علي بن راشد أمير شفشاون (1485-1542)، التي كسرت الصورة النمطية للنساء ووصلت إلى مراكز القرار. تلقت العلوم وتميزت بالذكاء، فقد وليت الحكم والتدبير بتطوان، وتزوجت واحدا من رؤساء بني المنظري، حيث حكمت بعد وفاته تطوان، خلال القرن الخامس عشر، وقامت بقيادة الرجال سياسيا واجتماعيا وحربيا. وقد تزوجت فيما بعد السلطان أحمد الوطاسي (فاس). وقد لقبت بأميرة الجهاد البحري بالمغرب الأقصى، وقد قاومت الإحتلال البرتغالي… وقد تعاونت مع أشهر قراصنة البحر الأبيض المتوسط خير الدين بربروسا. وقد تم الإستيلاء على حكمها من طرف أحد أقارب زوجها ونفيت إلى مسقط رأسها حيث وافتها المنية.

  1. زينب النفزاوية:

وهي زينب بنت إسحاق الهواري الأمازيغي، والتي عاشت خلال القرن الحادي عشر، في عهد الدولة المرابطية.كانت ذات جمال مبهر، ورجاحة عقل جعلت من زوجها أمير المرابطين يوسف بن تاشفين يستشيرها في أمور الدولة.

 

فتمكين المرأة L’Empouvoirement des femmes، وفتح مجال خوضها للمعارك السياسية والمساهمة في تطوير المجتمع والنهوض بالتنمية المستدامة به، لن يتأتى سوى بتغيير القيم المجتمعية النمطية عن المرأة، والتي تحاول تغييبها عن ركب تطور المجتمع وتعرقل تبوأها مكانة جنبا إلى جنب مع الرجل في تسيير شؤون المجتمع مناصفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى