محمد سعيد المقدم
هنا قصيدة للشاعرة التونسية ذ. زهرة المقدسي، قصيدة تعبر من خلالها عن مشاعر عميقة من الحب والشوق، حيث تتداخل فيها الرومانسية مع ألم الحرب والدمار، كما تستخدم الشاعرة فيها لغة غنية بالصور الشعرية والتعبيرات الرمزية، مما يعكس صراعاتها الداخلية وتجاربها الحياتية.
أحلم بليلةٍ واحدة
أحضن فيها سنابل شَعرك
و في صمت الليل
أقرأ لك
ما تيّسر من قصائد هاربة
تحت القصف…
أحلم بأن نقبض معاً
في ضوء القمر
على جمرة العشق
نلقي بها في بحيرةٍ هادئة
حيث انعكاس النجم
لا حمرة النزف
أن نحصي عدد الزهرات
التي كانت جثثاً..
ونما على اطرافها العشبُ
أحلم بغصن سنديانٍ
في الكرمل المغتصب
أصنع منه لجبينك الوضّاح تاجاً
يعادل كلّ جواهر العرب
وأقطف منه كرزا
يحطّ فوق شفاهك الزهراء
أزهاراً
يُترجم شوقا إلى جمر القبل
فينهمر الشعر أنهاراً ..
أعانقك في الحلم
وحلمي المضرّج بالموت
يشتهي من ثغر الحياة لثمة عز
وحلمي يحمل من أجل عينيك سيفاً ونارا….
زهرة المقدسي / تونس.
1. العنوان والمقدمة:
تبدأ القصيدة بتقديم فكرة الحلم، ما يشي بمساحة خيالية تتجاوز واقع الشاعرة المرير… الحلم هنا يمثل ملاذا من الاضطرابات اليومية، وحلما يدفع الشاعرة للتأمل في جمال الحب رغم المآسي، يستحضر العنوان فكرة الافتقار للحنان والسلام، مما يعكس تناقضا بين عالم الأحلام وعالم الواقع.
2. الصور الشعرية والتشبيهات:
“أحلم بليلةٍ واحدة”: تمثل البداية رمزا للحاجة العميقة إلى الارتباط والخصوصية، الشاعرة تسعى للعثور على لحظة واحدة خالية من الضغوط اليومية.
“أحضن فيها سنابل شعرك”: هنا، يبرز رمز الشعر كرمز للجمال والخصوبة. السنابل، التي تستخدم لوصف الشعر، تدل على العطاء والرفاهية، مما يعكس مشاعر الحنان والتقدير.
3. الجدلية بين الحب والحرب:
تتجلى الحرب كخلفية قاسية تؤثر على العواطف الإنسانية، الشاعرة توازن بين حلم اللقاء وبين قسوة “القصف”، مما يبرز التوتر بين الشغف والدمار، تخلق هذه الجدلية شعورا قويا بالمأساة، حيث يصبح الحب ملاذا يواجه العنف والخراب.
4. التأمل في الهوية والذكريات:
“نحصي عدد الزهرات التي كانت جثثا”: تشير هذه الصورة إلى ماضي مؤلم، حيث تكتسب الزهور معنًى مريرا في سياق الموت والدمار، الشاعرة تُظهر كيف أن الذكريات يمكن أن تكون جثثا، بينما تعود الحياة لتزدهر على أنقاضها.
“حيث انعكاس النجم لا حمرة النزف”: هنا، تتجلى الرغبة في الهروب من الألم والبحث عن الجمال، تعكس هذه العبارة الأمل في المستقبل حيث يمكن أن تضيء النجوم فوق الظلام.
5. رمزية الطبيعة:
“غصن سنديان”: يشير إلى القوة والثبات، يرمز إلى الثبات في وجه الصعوبات، من خلال استخدام الشجرة كرمز، تبرز الشاعرة كيف يمكن للجمال الطبيعي أن يُخْلَق من الألم.
“أصنع منه لجبينك الوضّاح تاجا”: ترمز إلى تقدير الشاعرة لشريكها، مما يعكس حبا عميقا، التاج هنا يمثل العظمة والجمال الذي يتجاوز الثروات المادية.
6. التواصل والشفافية في العلاقات:
“ينهمر الشعر أنهارا”: تعكس هذه العبارة قوة الشعر كوسيلة للتعبير عن المشاعر، الشاعرة تستخدم اللغة كوسيلة لنقل العواطف العميقة، مشيرة إلى أن الحب يمكن أن ينتج عنه إبداع فني.
“وحلمي المضرّج بالموت”: يتجلى التأثير العاطفي في هذه العبارة، حيث تعكس كيف أن الحب يمكن أن يعاش بجانب الألم والموت، تضيف هذه العبارة بعدا آخر للقصيدة، حيث يصبح الحلم محملا بالأعباء.
7. الختام:
تنتهي القصيدة بإيحاءات قوية عن الأمل والتحدي. “سيفا ونارا” يمكن أن يفسر على أنه استعارة للصراع المستمر، حيث يتداخل الحب مع الرغبة في العيش بكرامة، الشاعرة تظهر أن الحياة، رغم كل التحديات، تستمر، وأن الحب يبقى شعلة لا تنطفئ.
خلاصة:
القصيدة تجسد تجربة إنسانية عميقة مليئة بالعواطف المتناقضة، تعكس الصراعات بين الأمل واليأس، بين الحب والفقد، مما يجعلها تعبيرًا عن حياة مليئة بالتحديات.
إن استخدام الصور الشعرية القوية والرموز الطبيعية يسهم في إثراء المعنى ويعزز التواصل بين القارئ والشاعرة.
فالشاعرة ليست فقط ناقلة للمشاعر، بل تعد فنانة تتناول التجارب الإنسانية بمزيج من الجمال والألم، لتؤكد أن الشعر قادر على البقاء كأداة للتعبير والإبداع، حتى في أحلك الأوقات.