خلود وتار قاسم : قصة نجاح إمرأة لبنانية
نضال العضايلة
جميلة، هادئة، واثقة، قوية بما يكفي لأن تستمر ولو لوحدها، لم يكن يعنيني في الأمر تنمية صداقة شخصية معها بقدر ما كنت اهدف لإلقاء الضوء على منجزات عبقرية من عبقريات هذا الزمان، وجدتها رقيقة وشفافة وعملية للدرجة التي أحبها في شخصية المرأة، فكانت العنوان الحضاري في مجتمع متنوع الثقافات.
حالمة ومتميزة بل أكثر من ذلك بكثير نت ذلك، فهي صاحبة رسالة، والجميل في المشهد أن خلود وتار من أولئك المبدعات اللواتي يرقين لأن يكن رائدات في الحياة، راقيات في العمل المنظم، شغوفات وحالمات، مصممات ومثقفات، وللنساء رسالة وما أجمل أن توجه من غادة سابا.
قلنا منذ زمن بعيد أن للمرأة اللبنانية دورها المهم في تنمية المجتمع والاسهام في تقدمه وقد اخذ هذا الدور في التعاظم بعد ان اثبتت أنها أهل للمنافسة والقدرة على الابداع والمشاركة في تحمل المسؤولية في مجتمع ذكوري قادر على التفوق.
وما كان لنصف المجتمع اللبناني بأن ينهض بهذا الدور الحيوي لولا وجود نساء قادرات على ان يتخذن خط المواجهة مع الرجل الذي يجد نفسه الاقدر بينما تثبت خلود وتار انها من القلائل القادرات على فعل ما لايمكن للرجل ان يفعله.
أمام ما تقدم فإن وتار سيدة مجتمع وريادية من الطراز الرفيع وذات صولات وجولات سواء على الصعيد الإجتماعي أو على الصعيد السياسي ، فقد امتلكت هذه السيدة وباقتدار كل مقومات النجاح، وعملت من اجل مجتمع ينبض بالحياه وليس من أجل شهرة أو مال فشكلت نقطة تحول في كل مكان وزمان وغادرت اللحظات الأولى من حياتها لتحل في مستهل الوطن والتاريخ.
نعم لقد شكلت خلود التي تدرجت على سلم الشهرة والإحتراف حالة لبنانية اكسبتها محبة الاخرين وجعلت منها رؤية ارتسمت على طول لحظات حياتها العملية، نعم هذه واحدة من بذرات لبنان الأرز وواحدة من سيدات المجتمع العربي اللواتي يحاولن ان يبذرن الامل والحب كل اليوم.
ولا شك بأن خلود وتار التي عرفت باقتحامها للقضايا الجدلية في مجتمع صغير بعض الشيء، استطاعت بعد عمل دؤوب وبجدارة ان تضع لها قدما في عالم النجوم، لا بل فهي نقطة مضيئة في سماء الابداع والتميز، بالإضافة إلى تواجدها في منظمة بحجم منظمة أرض البشر السويسرية لرعاية الأطفال حيث سجلت حضورًا متميز في العمل التطوعي فكان اللبنانيون أينما وجهوا انظارهم يجدونها، في المكاتب في العيادات في الأسواق والمحلات في المدارس والجامعات، فهي قامة نسائية تحترم ويقدرها الاخرون.
ان المجتمع الذي يقمع المرأة ويريد لها الانغماس في حياة المنزل لا يمت لواقع خلود بصلة، لذلك فهي تعي تماماً ان المجتمع الذي فرض على المرأة ان تكون حبيسة المنزل قد حبس نفسه في بوتقه لا خروج منها ابدآ.
خلود وتار قاسم، عاشت تجربتين فريدتين من نوعهما، الأولى كانت في العام 2014 عندما خاضت الإنتخابات النيابية عن المقعد السني في بيروت الثالثة، والثانية كانت في العام 2015، عندما أعادت الكرة وحدثت تجربتها الأولى هذه في مجال العمل العام فكانت من اروع التجارب التي قدمتها خلود في حياتها، والتي كانت حافزاً قوياً لها للإستمرار في طريق العمل السياسي والإجتماعي.
خلود وتار التي بدأت حياتها معلمة في العام 1995، صالت وجالت بين مختلف المراكز التي اهلتها لتكون سيدة من الوزن الثقيل، خصوصًا وأنها تحدّت بجرأة التقاليد والعادات المرتبطة بالنوع الاجتماعي في دولة قليلة الموارد وغالبية مواطنيها من المستهلكين، فكان لها ما أرادت حيث تبرز سيرتها التقرير نجاحات متتالية لتمكين المرأة في المجتمعات العربية ، وتحاول من خلال جهودها الكبيرة إبراز وضع المرأة العربية واللبنانية خصوصاً في بوتقة الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
تطوعت خلود وتار في الإسهام بتسليط الضوء على المرأة والطفل في لبنان، فاسست في العام 2010 جمعية ” أمهات من لبنان” التي عنت بالوصول الى حل مشكلة أطفال الشوارع، ولم تقف عند هذا الحد بل تجاوزته لابعد من ذلك حيث اختيرت في العام 2016 لتكون منسقة لمنظمة برلمانيات العالم في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ومركزها بروكسل.
نظمت وتار المؤتمر الدولي الأضخم على مستوى العالم والذي هدف إلى وصول المرأة إلى مراكز القرار التابع للمنظمة التي تمثلها، وكان ذلك في العام 2016، وتحت قبة البرلمان الاردني وبحضور ٣٠٠ برلمانية من دول العالم وثلاثة رئيسات دول وكانت برعاية الملك عبد الله بن حسين.
عند الحديث عن خلود وتار نستذكر مؤتمر ” نساء بصحة جيدة تؤدي الى اقتصاد مثمر” والذي عقد داخل البرلمان اللبناني بالتعاون مع “ميرك” و منتدى البرلمانيات وكان ذلك في العام 2017.
وكلما غصنا في بحر خلود وتار تبرز تبرز الإنجازات التي حققتها هذه الأيقونة اللبنانية، والتي لم تقف عند حد معين، وانما تجاوزت ذلك للوصول إلى العالمية، حيث اعتبرت من أبرز الرائدات في تاريخ المرأة، وبهذا تصبح وتار جزء من منجزات وطن، وجزء من تاريخ مكتوب باحرف من نور.
المستشارة الدولية في ” منظمة نساء قادة العالم ” لم تتوانى يوماً من الوقوف خلف المرأة، حيث شهدت بيروت تألقاً لافت لوتار بعد أن وضعت بصمة لها في الكتابة، من خلال كتابها ” المرأة والسياسة في لبنان “، والذي شهد ردود فعل قوية اثنت جميعها على الفكر الذي تحمله وتار.
ووتار التي تعتبر عامل محفز للتغيير في لبنان، حسبما تقول، تدرك أيضاً انها تمثل موجة من النساء المستقلات، هكذا هي، وهكذا ترى نفسها في مجتمع لا يؤمن بالمرأة بالمطلق، وإنما يجد أن وجودها مقترن ببعض الجزيئات دون الأخرى.
خلود وتار قاسم، الفتاة الوحيدة بين 8 أخوة ذكور، وتربَّت في بيت محافظ لا تمتلك فيه النساء حريتهن، فتمردت على «أسْرها»، ونالت درجتين علميتين من الجامعة الأميركية ببيروت، واحدة في العلوم الاجتماعية، والأخرى بالتدريس.
واحدة من القلائل اللواتي وضعن لهن بصمة في مختلف مجالات الحياة، امتلكت رؤية واضحة، وتركت بصماتها في كل موقع عملت فيه طوال فترات عمرها العملي.
لم يكن اي ممن حضر ولادتها يتوقع لها أن تكون واحدة من عباقره لبنان ومبدعيها، بعثت برسائل مفادها أن يوم ولادتي لم يكن عبثا، وانما خلقت لأكون إنسانة مختلفة عن الآخرين.
في كل مجالات الحياة أضافت الدكتورة خلود وتار قاسم إنتصارات للمرأة العربيه، وهي التي آثرت عدم ركوب قطار الأحلام الصغيرة التي كانت الكثيرات من بنات جنسها ومنهن في سنها، يضعن خططا لها ويراودنها داخل مخليتهن.
وتار ليست فقط امرأة مستقلة محبة لعملها متفانية فيه، ولكنها سيدة مجتمع من الطراز الاول، ولديها ارفع الصفات التي تؤهلها للعب هذا الدور النضوج، والثقة بالنفس، والتحكم في زمام الأمور، ما يجعلها سيدة مجتمع من طراز فريد هو اجتماعيتها، وقدرتها على خلق أحاديث مع من حولها، وإظهار الإحترام لنفسها ولمن حولها، لذلك لن تجد احدا يمل من جلستها او حديثها الشيق، الذي تسخر له كل خبراتها، حتى تكون مميزة.
تميزت خلود واتقنت صنع المستحيل، وطوعته بذكاء وحسن تقدير، أكاديمية، وسيدة مجتمع، وريادية، ومبدعة، هي ايضا القاب تليق بابنة الأرز، إبنة السنوات الجميلة التي شكلت رؤيتها للمستقبل.
وتبقى خلود وتار قاسم تتجول كالفراشة، تحلق بثقافتها وأفكارها في فضاءات لا حدود لها، وتنتقل بين زهرة وأخرى لتنشر لمساتها الإنسانية الساحرة هنا وهناك، فتداوي جراح هذا، وتشارك تلك أفراحها وأحزانها، وتتبادل الخبرات التي ترتقي بكل منهن.
هي سيدة من طراز فريد، جمعها الطموح والشغف بالتغيير للأفضل، تخطت طموحاتها حدود لبنان، لتُفاجأ بأن صداقة عميقة جمعت بينها وبين عالمها العربي، وجعلت منها رائدة على مستوى عال.
تعمل وتار ككل النساء لكنها ليست إمرأة عادية، إنها حالة فريدة من نوعها قلما تجد مثيلاً لها بين النساء العاملات في مجال عملها، يسكنها الوطن وأثاره وهمومه لم تكل ولم تمل فتراها كل يوم تناضل من أجل إيصال رسالة إلى العالم بضرورة دعم المرأة والوقوف معها حتى تنهض، ويكون لها دورها الفاعل في مجتمع أصبح من الصعب تعزيز قدرة العمل فيه.
منطقة المرفقات