
حمدي تريعي
كلّ موسم رمضاني جديد يسطع نجم مشروع يحمل روحا نسويةً، يأخذ مساحة رحبة من النقاش المجتمعي والجدل الفكري. من أبرز الأعمال هذه السنة نجد مسلسل “دار النسا”، وهو عمل مغربي بلكنة شمالية، يعالج كما يعكس عنوانه، قضايا المرأة في علاقتها بالجريمة وفق أبعاد مركبة يتداخل فيها النفسي بالاجتماعي والقانوني بالعاطفي. حصد العمل لحدود اللحظة تفاعلاً كبيراً على شاشة التلفزة المغربية وكذا وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أفردت عدة مواقع مقالات للحديث عن الظلم الذي تتعرض له المرأة كما طرحه العمل، ولن نستغرب إن وصل مضمون نقاش هذا المشروع إلى البرلمان المغربي لاقتراح تعديل قانون المدونة الجديدة.
أتابع -بكل شغف- هذه السنة مسلسل “دار النسا”، حيث يقدم العمل صورة لعلاقة عاطفية بين أربع نساء جمعهن القدر في دار واحدة. تبدأ مخرجته بعرض مشاهده وفق تقنية l’analepseالمعروفة فنيا بالرجوع إلى الوراء، لرسم ملامح جريمة مفاجئة يذهب ضحيتها الزوج عزيز -الذي يلعب دوره أمين الناجي- بعد أن اكتشفت أمينة واقعة الاعتداء الجنسي الّذي ألف هذا الأخير ممارسته على “نادية” ابنتها من زواج سابق، وفق خط درامي ممتع وكوميدي يُشعرنا بالتعاطف مع البطلات، ويعيد لنا كلّ ذكرياتنا عن علاقات الصداقة القوية والصحية التي لانتمنى أن نتعاف منها بعد.
على الرغم من أن سامية المخرجة جزء من أجزاء السيناريو إلا أنها وبفعل جنونها الإخراجي وروحها الفكاهية قد انفتحت بالفعل على تغيير وتطوير السردية التي يتبناها العمل، رغبة في جعلها على قدر من الإقناع “التجاري” بمعنى الدفاع عن الجدوى المادية والتجارية للمشروع، من خلال توجيه تطلعاته لموازاة معايير السوق التي لا يراها ويستهدفها على اتساعها المخرج المثالي الذي يظل قابعا في عالم ما ينبغي أن يكون عوض عالم ما هو كائن، فخطورة الالتزام الميكانيكي بما يطلبه سوق واحد محدود، قد يقتل العمل النسوي الرامي لإصلاحات قانونية هيكلية تخص قضايا المرأة. ويمكن أن نقترح هذه الدراما كطرح بعيد عن الاتجاه السينمائي المكثف لعرض مشاكل النساء من خلال العودة للدراما العالمية، التي تميزت ببطولات نسائية وحققت مشاهدات وتفاعلاً ملفتاً .
إنّ النسوية التقاطعية في العمل الذي أنتجه نبيل عيوش بسخاء، ينطلق من تشابك مكونات الهوية الاجتماعية مثل العمر والنوع الاجتماعي والقومية والدين والطبقة وغيرها، والتي تشكل في دار النسا عدسة أساسية لرصد وبناء شخصيات درامية متعدّدة الأبعاد ومركبة، برهانات وتحديات غير متوّقعة تحدث دفعة متنوعة الشدّة والتأثير وتجعل المتلقي متشوقا لاكتشاف أحداث جديدة، إذ بالرغم من ضيق فضاء التصوير إلا أن دار النسا لوحدها شكلت فضاء واسعا للعديد من القضايا التي يمكن أن تدفعنا للتفكير في مختلف مشاكل المرأة على المستوى الحقوقي والاجتماعي السيكولوجي في نفس الوقت.
لعل نجاح الحلقات الأولى للمسلسل دليل على نصه الجذاب الذي يبتعد عن الوعظ المنهك للمتلقي. فللدراما التلفزية معايير جد متباينة عن السينما، وبالطبع مختلفة تماما عنها أكاديميا، فالغاية الأساسية منها هي الإمتاع. ولا يعني الإمتاع هنا غياب المعنى والعمق، إنما إيجاد منزلة وسطى لا تجلد المشاهد ولا تربكه، ولا تستخف بذكائه في الآن ذاته، ويمكنني أن أنطلق من تصور لا أتفق معه، وهو الّذي يفترض بأنّ المشاريع النسوية في الدراما مجرد مشاريع جادة تغيب عنها المتعة. فلا توجد قاعدة تنصّ على أنّ جودة العمل النسوي فنياً تتناسب طرداً مع ذكوريته، ثانياً لأننا لم نبدع في السنين الماضية عدداً من المسلسلات تجيز هكذا تعميمات حول الأعمال النسوية. من الأمثلة على أعمال نسوية وضوحاً، مسلسل “بنات لالة منانة” في جزئه الأول، والذي يتمحور حول فكرة الأم المتسلطة والقوية، حيث كان العمل مشوّقاً وحقق نجاحا كبيراً، ولم يكن مملاً، ولا أقول أنه عمل مثالي، لكنه من المشاريع التي تُضاف إلى مسيرة الثنائي الشهير أقريو والصقلي، الحافلة بالأعمال التي مثّلت قضايا نسوية من منظور مركب ومتقاطع.
لا ندّعي أن أقريو والصقلي تمتلكان عصا سحرية لإنتاج دراما أكثر حساسية جندرية، إنما ما قامتا به يعد محاولة تفكير لرسم جزء إضافي في خارطة طريقنا نحو مشاريع فنية ليست فقط أقل إساءة للمرأة، إنما أكثر حساسية وإنصافاً تجاه صورتها وقضاياها، ومعاشها اليومي. وبنساء نقصد كلّ النساء بلغة الكونية، دون تمييز أو إقصاء.
أقريو ونورة الصقلي ثنائي نسوي يعمل بطريقة صعبة لنهج مسار التغيير الذي يبدأ من الداخل. فليس من الحكمة أن نستخف بحجم الطاقة والوقت الذي نحتاجه لإحداث رَجَّة صغيرة في عقلية مؤسسة ذكورية لا تؤمن بالحاجة للتطور والتغيير. فكيف يمكن أن نتواصل مع فؤاد ازويريق، الناقد المغربي المجتهد لإقناعه بأنه تسرع في وأد هذه الدراما قبل أن تولد بالفعل، فعمل دار النسا ليس نسخة عن أعمال مستهلكة بقدر ماهو تصور نسوي انفعالي أبدع القائمون عليه في معالجة هموم المرأة المغربية بكل حرقة، يبدو الأمر عبثياً تماماً أن نقنع الرجل أن الوقت ليس مناسبا للحكم على عمل فني لم يتجاوز عرضه ثلاث حلقات، بعد ما قام به من جلد لمخرجة العمل ورفيقتها الصقلي اللتان أظهرتا ومنذ عملهما الناجح بنات لالة منانة أنهما تمتلكان قضية وليس ملامح وجه تستعرضان به مواقف واقعية فقط، إذ كان من باب الهوية المشتركة تشجيع هذه المحاولة الجادة بعيدا عن الاستهزاء والتبخيس وكذلك وضع مسافة بين الذات والعمل لمحاكمته بشكل موضوعي يرقى لأدبيات النقد الفني الناضج.
في ما يلي سأرصد بعض العيوب التي طالت نقد الرجل الأكاديمي الذي كنت فعلا أتمنى أن يكون موضوعيا في توجيه سهام نقده للعمل:
– العبارات الواردة في نقد فؤاذ ازويرق “الفايسبوكي” سيستتبعها تصوري حول قول الناقد بأسلوب الناقد :
– القول //”تايقول واحد المثل مغربي زوين: العشا الزين تشم ريحتو من العصر، وهاد العمل اللي سميتو دار النسا بدا طافي باقي كاع ما شعل”.
* الرد //العشا الى تشم ريحتو من العصر غيبرد وما يعطيكش الكانة تاكلو…، المسلسل وجبة يومية الأساسي فيها التنويع وما تطلعش ف الراس
– القول// “الحلقة الأولى منه مخلطة ومشبكة، بغاو يقولو كولشي من الأول وما قالو والو”
*الرد// عادي يكون ارتباك ف مقدمة أي عمل خصوصا الى تصور بمنطق تراكمي وعادي جدا يكون الغموض حيث هو اللي تيخلق التشويق الى شفتي فعلا المسلسل وبعين ناقد موضوعي ولو غي بنسبة 50/100 غتفهم شنو تنقصد حيث تقنية الرجوع للوراء كانت مجزأة وفي كل مرة تنكتاشفو فيها الجديد وهادشي ممكن تفهمو الى عرفتي علاقة الجزء بالكل ف الدراما.
-القول// “واحد السيدة محترمة بقات فيا مسكينة، كانت مابيها ما عليها جالسة في آمان الله كأي جدة مغربية فجأة لقيناها متورطة فشي قتيلة، هي براسها تشوف راسها فالمسلسل غادي تفاجأ” دخلوها (السيدة) مسكينة صحة فواحد الفلاش باك وخرجوها عاوتاني، ودخلوها فنفس القتيلة في الحاضر، وبين الفلاش باك والحاضر ما تغير وما تبدل والو، وحنا ما فاهمين والو!”.
*الرد// سمحلي نقولك الجريمة ما تتعرفش السن ولا الوظيفة ولا المكانة الاجتماعية ولنفترض غتكون السيدة أول جدة ساهمت بشكل شاذ ف الجريمة ف الدراما ف المسألة عادية لأن الفن تيبغي شوية د الجنون والخروج عن المألوف، واش ف الفن ضروري نفهموا بالمنطق الحسابي؟ ولا خصنا نؤولو ونسمحو لعقلنا يفكر الى دخلات عادي حيث تتعيش معهم ف نفس الدار والى خرجات من الفلاش باك عادي لأنها ماشي هي اللي ارتكبت الجريمة.
– القول// “وحدة خارجة من الحبس وهي ديما تتخرج من الحباسات في المسلسلات اللي تتمثل فيهوم فرمضان، وقفات قدام باب الحبس وبلا مقدمات ولا مقبلات دخلات فالحدث سخونة بحال إلا كانت غير مورا الكاميرا تادير حركات تسخينية ماشي فالحبس وحنا ما فاهمين والو!”..
*الرد// السيدة ف المسلسل تتصرح أنها خريجة سجون عادي تكون مولفة بالحبس وتخرج بحال الى خارجة من دارهم للعرس..،كن سمعتي كلامها من بعد الخروج غتعرف مزيان علاش منفعلة ههه بالنسبة ليا ف المسلسل القديم خرجتها كانت تراجيدية دابا خرجت ودخلات سخونة ف الحدث حيث الشخصية ديالها هاكاك، انت عارف ان الشخوص عندهم روح ف العمل ممكن نولفوها بالتدرج وتقنعنا من بعد القول// “السيناريو مرتبك من الأول، خيوط مبعثرة ومخلطة، تمثيل ضعيف إلى حد الآن، حتى مريم الزعيمي اللي عندها موهبة أشدت بها شخصيا فالكثير من المناسبات، باينة بحال إلا غير مقصرة مع صحاباتها”، وتابع موضحا: “شخصيات هزلية تحاول فرض مواقف كوميدية بتعابير ارتجالية مستفزة عفا عنها الزمن، مريم الزعيمي كمثال والمبالغة في الانفعالات والحركات بدون سبب، ومعها بنتها التكتوكر وغيرهما بسالة ما بعدها بسالة”
*الرد// كل واحد وكي كيفهم النص وهو خاضع لتأويلات وعقول الناس متباينة وممكن يكون كلامك صح ونعتبرو أن الارتباك كاين ف السيناريو مازال شوية الوقت باش نفهمو كلشي حيث مازال بزاف د الشخصيات جاية ف الطريق … بخصوص الزعيمي تنتحدا أي واحد يكون شافها كي تتهضر وما ابتسمش على الأقل وبالنسبة لبنتها التيكتوكر لقيتها صارعة الدور حيث مجسدة واقع ما من بعدو واقع -القول// “سيقول لي أحد المتفذلكين هادشي كولو بان ليك من الحلقة الأولى؟ سأجيبه وأقول له إيه أقسم بالله، زائد أن أغلب الأعمال الدرامية المغربية تتكون مفروشة من الأول بسبب ضعف الكتابة والإخراج، المهم وباختصار العمل من الخيمة خارج مايل وخارج مفدوع واللي بان ليه بأن العمل زوين ويستحق المتابعة تنتمنى ليه فرجة ممتعة وحظ سعيد”
*الرد// لا داعي للقسم ولاداعي لهاد النظرة الارتكاسية السوداء للمشهدية الدرامية نفس الناس اللي كتبوا هاد العمل كتبو عمل عنبر وياقوت نتمنى فعلا تكون شفتيه لأن نجاحو كان جماهيري ولأنه لا وجود لنسق مكتمل كما يقول الرياضي غودل، فإن عمل دار النسا كغيره من الأعمال تخللته العديد من الهفوات التي كان من الممكن تجاوزها، كالمكياج المبالغ فيه لابتسام العروسي لحظة خروجها من السجن، علاوة على اسم بطرس الذي شكل نشازا بين أسماء الشخوص، والذي يمكن وصف أداء مجسده بالأداء الضعيف مقارنة بشخصية حمودة، ضف إلى ذلك حصر بعض الممثلين في شخصيات مكررة كربيع الصقلي الذي يمتلك أدوات اشتغال بسيطة جدا وطريقة واحدة في تجسيد الانفعالات… لدرجة أنني استغربت لماذا أصرت مخرجة العمل على اختيار أغلب الممثلين الذين اشتغلوا معها بمسلسل عنبر وياقوت –باستثناء عمر أصيل وياسين أحجام وبعض الوجوه- فهل من الضروري الاعتماد على نفس الوجوه لإنجاح أي عمل فني؟ أين هم الرواد الذين تنكر لهم الفن بعد أن هزمتهم ظروفهم الصحية؟.
في صفوة القول، يعد تعزيز محو الأمية النقدية اليوم ضروريا لمزيد من المواقف الموضوعية الجادة، لأنّ مهارات هذا المحو ستمكّن الناقد خصوصا والمشاهدين عموما من تحليل الأحداث ونقد الرسائل والتمثيلات التي تنقلها الدراما، ومحاسبة صانعيها على القيم التي يروّجون لها، كلّ هذا يحتاج لعقلانية فنية بعيدا عن النقد من أجل النقد أو العدوانية المجانية التي تستهدف مبدعينا، وهو ما يتطلب التزاما من طرف النقاد والإعلاميين وفق خطة متكاملة لإحداث تغيير ممنهج ومستدام، فالوصول إلى دراما نسوية ناجحة هو مسيرة إصلاح طويلة تتطلب نية حقيقية بالتغيير وشراكة فاعلة بين النقاد والمجتمع المدني والنسويات، وصناع السياسات والفاعلين في الإنتاج الدرامي، على أمل أن نصل في يوم قريب لدراما مشهدية توازي الدراما الأجنبية من حيث الغزارة والتقنيات المستعملة مع ضرورة الحفاظ على رمزيتنا ومغاربيتنا، فالصورة في ظل ما نعيشه يمكن أن تغير فلسفيا رؤيتنا للعالم.