سامية المراشدة . الأردن
كنتُ اسمع قولاً بأن الأيام تشبهُ أصحابها ، فكيف لو تعلمي بأن أيامنا تُشبهُ أيلول يا أمي ، خُذني بيدك يا أيلول الى ذكرى الحبيبة أمي عليها رحمة الله التي غادرتني في منتصف شهرك هذا قبل عامين ، حينما بدأ أيلول بتوديع النسمات الدافئة كما هي ملمس كف يد أمي وتحلُ محلها النسماتُ الباردة في أثناء لحظات الوداع ، و وقتها سقطت أوراق الربيع وجفّت من ذاتها لتتقبل ظروف الخريف،حينما وجدتُ فعلاً شيئا ما في داخلنا جف من ذاتنا لنتعود على الفُراق ،وتلك الغيمات التي تتوارى خجلاً في السماء التي كانت صافية تنتهز الفرصة لتسقطُ قطراتها على الأرض كما هي دموعنا،وغصات تعلقت في حناجرنا حينما وقف الكلام عندما عجز عن التعبير.
هُناك حديث يَطول ولا ينتهي عن مكانة الأم في حياتنا ، قد نكبرُ ونشيخ وما زلنا ننظرُ الى أنفُسنا بأننا ما زلنا أطفالاً ونحتاج الى المزيد من حنانها، و نكبرُ ونشيخ ونحنُ ما زلنا نحتاج الى دعواتها ، و نكبرُ ونشيخ ونحن نحتفظ من رائحتها وثيابها ،نكبرُ ونشيخ وما زلنا نستلذُ ما يشبهُ طعامها ، نكبرُ ونشيخ وما زلنا نحتاج لنصائحها ، نكبرُ ونشيخ لأن نجد أنفسنا نُعاني كما كانت تُعاني من أزمات الصحيّة والحياتيّة ، ونستذكرُها ونحاول بقدر الإمكان أن نفعل كما كانت تفعل ، تتمسك بالمسبحة لتذكر الله عز وجل لتسبح لتنسى الألم ،وتبكي خفيتاً عنّا حتى لا تُبكينا، تجبر خاطرنا ليتعود على الجبر ، وتقوى بنا وتقوّينا ، ومن هنا بدأ درسُ الكبرياء ومراحلهُ الذي للأن لم نصل الى ما وصلتي اليه ، وما زلنا يا أمي يا مدرسة الحياة لم نتعلم شيئاً .
من أغرب ما يكون في داخل الإنسان شيء ما لا يحتمل ويتحملهُ ،فأعان الله قلوب البشر التي تواري أحزانها ، و تلوذُ بالذكريات المخزنة في العقول التي تقاومُ نساينها ، والمشاعر المخفيّة داخل صناديق الصدور المغلقة ، كم أنت جبار يا إنسان حينما إذا لم يقوى عليه المرض لكن تهزمهُ المشاعر ، و أي شعور في الدنيا وهو الأصعب بكيف يقاوم ذاكرته ويحاول مراراً أن ينسى أمه وأبيه ليخفف من ضجيج الذكريات ،لكن استحالة حتى اذا أشتد عليه الألم والضيق يقول” يا أمي ويا أبي ” ، لأن يصل لمرحلة يغادر فيها الحياة ، سلاماً إلى روح أمي مني وممن يحبُ ذكراها ، وسلاماً لروحها الطيبة ، وأنت كما أنت يا أيلول ما زلت ستبقى تشبه أيامنا .