لقد غيرت جائحة كورونا شكلا كبيرا من أشكال استقبالنا لشهر رمضان، فبسبب قانون الطوارئ الذي انتهجته الحكومة من أجل الحد من انتشار الفيروس، و الذي دفع إلى غلق المساجد ساعة صلاة التراويح، و منع الدروس في المساجد، و منع التجوال في الشوارع بعد الساعة الثامنة مساء فلم نعد نجتمع مع العائلة و الأقارب و الأصدقاء ساعة الإفطار.. فنقص الابتهاج برمضان.. مما دفع البعض إلى قول أن الله سبحانه سخط على هذه الأمة فحرمها بسبب معاصيها.. فحصل نوع من الشوشرة عند الناس.
فهل ما نحن فيه عقاب من الله ؟ أم رسالة منه سبحانه ؟
و لفهم الموضوع أكثر كان لنا حوار مع فضيلة الأستاذ محمد أيوب الهسكوري خطيب مسجد الكوثر بطنجة.
يقول البعض أن الله عاقب هذه الأمة بمنعها من التراويح.. لما ظهر فيها من الفساد؟
الحمد لله، و الصلاة و السلام على سيدنا و مولانا رسول الله، و على آله و صحبه و من والاه.
اعلم – يرعاك الله- أن قول حرمان الأمة من بعض الشعائر التعبدية في شهر رمضان و من بعض العادات و التقاليد المغربية الجميلة عقابا لها على معاصيها و بعدها عن الله.. أو هو علامة على سخط الله.. فهذا تكلف مذموم.. لأنه تدخل سافر في الشؤون الإلهية و العلوم الربانية.. و لم يدرك هؤلاء أن العطاء لا يدل دائما على رضا الله.. و أن المنع لا يدل دائما على سخط الله؛ قال تعالى:” فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا“ [الفجر:15-16]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :” إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم” [رواه مسلم، في صحيحه، عن أبي هريرة، الرقم: 2623] بضم الكاف. أي: هو أشدهم هلاكا. فيجب على الإنسان أن يتورع عن هذه الأقوال السلبية التي لا تزيدنا إلا هزيمة نفسية، و رؤية سوداوية تعتم صورة الواقع.
فعوض أن نشيع بيننا هذه الأفكار الهدامة و المتشائمة.. لما لا نحاول استقراء رسائل الأقدار التي جاءت بها هذه الوقائع من انتشار الجائحة العالمية.. فأدى إلى الحجر الصحي.. و إغلاق المساجد… إلى آخر هذه الإجراءات الاحترازية التي تبنتها الحكومة في مواجهة الجائحة.. فتأمل معي نقطتين:
- لابد أن نعلم علم اليقين أن كل هذا كان فعل الله تعالى؛ قال تعالى عن نفسه: “فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ“. [سورة البروج:16]
فلا يمكن لقوة على وجه الأرض أن تعارض قدرة الله تعالى فتخالف إرادته.
- الدين ثلاثة مراتب: إسلام و إيمان و إحسان.
فالصبر على ابتلاء القدر هو من الإسلام. أما الرضا بالقدر هو من الإيمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام. و إن فهم رسالة الله في هذا القدر هو من مرتبة الإحسان.
فعباد الله الصالحين لا ينشغلون بظاهر الابتلاء.. إنما يتجاوزون ذلك إلى فهم مراد الله من هذا الابتلاء.. فإذا فهموا ذلك كذلك.. أصبح البلاء مطية لهم في التنقل بين المقامات العلية و الأحوال الزكية. لذلك أقول: من أعظم كرامات أهل الله، الفهم عن الله.
ما هي الرسالة التي حملتها لنا كرونا في شهر رمضان؟
في حقيقة الأمر أنها جاءت برسالتين.. رسالة موجهة للأمة، و لرسالة موجهة لكل فرد من هذه الأمة.
فرسالتها للأمة: هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة و الذي قد يؤدي إلى الموت.. هو رسالة من الله تعالى كي نستأصل فيروسات معنوية فتاكة أكثر من هذا الفيروس.
فإن كان هذا الفيروس قاتل.. فهناك فيروسات مدمرة تنخر في جسد الأمة ؛ كالجهل، و الظلم، و الغفلة، و البعد عن الله…
فكما تسعى الدول إلى تلقيح شعبها من الكورونا، لابد للأمة أن تلقح نفسها ضد هذه الفيروسات الفتاكة، التي تفتك بها جيلا بعد جيل، بالدين و العلم و الوعي و الأخلاق. فهذه القواعد الأربعة، هي أساس النهضة الحضارية لكل أمة.
أما رسالتها إليك أيها المسلم: فسنوات و أنت ترى المساجد مفتوحة كل الصلوات.. و عندما يقبل رمضان تجد المساجد تشذو بتلاوات عطرة في صلاة التراويح بعد صلاة العشاء و قبل صلاة الفجر.. و المساجد مزدحمة .. و صلة الرحم.. و الصدقات….
فحصل لك ألفة بهذه الشعائر فأصبحت تراها عادية. و هذا سيصرفك عن اغتنام كنوز رمضان.. فكان لابد أن تشعر قليلا بغصة الفقد، حتى تشتاق لنسمات الوصل.
و ما أنزلت سورة قريش على المشركين إلا لتزيل غشاوة الإلف عن أعينهم ليشهدوا فضل الله تعالى..
فالابتلاء يجلي عين القلب لإبصار النعم. فكما اختبرنا سابقا بامتحان الجفاف حتى أسقط عنا عيد الأضحى.. فكذلك نختبر الآن بامتحان الوباء حتى سقط عنا حضور صلاة التراويح جماعة .. فافهم عن ربك..
فيجب على كل واحد منا أن يقف مع نفسه وقفة صادقة يستقرئ فيها مراد الله من هذه الجائحة خصوصا في شهر رمضان.
و أن يوطن نفسه أنه عبد لله تحت كل ظرف و مع كل حال.
كيف يمككنا الاستفادة من رمضان في ظل الجائحة؟
أولا لابد أن نعلم أن ربنا عز و جل يغير نواميس هذا الكون في هذا الشهر الكريم تحفيزا لك أيها المسلم.. فإذا أقبل رمضان أغلقت أبواب النيران و فتحت أبواب الجنان، و صفدت الشياطين، و تضاعفت أجور الطاعات…
فالكيس من اغتنم هذه الفضائل للتزود للقاء الله تعالى..
و بما أننا تحت وطأة هذه الجائحة -أسأل الله أن يسرع بإجلائها عن الإنسانية- نرى أن الله قدر علينا أن تحد حركاتنا حتى نتفرغ للعبادة و التبتل، التي طالما تعللنا عنها بالالتزامات و الشواغل و الظروف…
فعلى المسلم أن يستغل هذه الظروف للإقبال على الله و الاشتغال بالعبادة استعدادا للوقوف بين يدي الله تعالى.