سهام العلوي: بين القانون والسياسة.. مسار امرأة تصنع أثرًا.

محمد سعيد الأندلسي 

في عالم يتقاطع فيه القانون مع السياسة، والفكر مع الممارسة، تسير سهام العلوي بخطى واثقة، تجمع بين الأكاديمي والعملي، النظري والتطبيقي، التأمل والتغيير. لا تقبل أن تكون مجرد شاهدة على ما يجري، بل تصر على أن تكون فاعلة، مساهمة، مؤثرة في المسار، ولو كان شاقًا ومليئًا بالعقبات.

 

منذ خطواتها الأولى في دروب القانون، لم يكن مجرد تخصص جامعي بالنسبة لها، بل كان نافذتها لفهم العالم، لإدراك كيف تتشكل العلاقات داخل المجتمع، كيف تُصاغ القوانين، ومن يملك القدرة على رسم ملامح العدالة والمساواة. لم تتوقف عند حدود التعلم، بل حملت هذا الشغف إلى قاعات المحاضرات، حيث تقف كأستاذة زائرة، ليس فقط لنقل المعرفة، بل لتحفيز العقول على التساؤل، على إعادة النظر في المسلّمات، على البحث عن جوهر القانون، لا مجرد نصوصه.

 

لكن التدريس لم يكن كافيًا، فالمعرفة بلا تجربة تبقى ناقصة، والقوانين إن لم تُترجم إلى سياسات عادلة، تبقى حبرًا على ورق. وهكذا وجدت نفسها داخل المؤسسات، إطارًا عاليًا بوزارة التشغيل، حيث لا تنحصر وظيفتها في تسيير الملفات، بل في محاولة فهم الإشكالات الاجتماعية العميقة المرتبطة بسوق الشغل، بوضعية العمال، بالعدالة الاجتماعية. هناك، بين الأرقام والتقارير والاجتماعات الرسمية، تدرك أن كل قرار إداري يحمل وراءه مصير إنسان، عائلة، مجتمع.

 

لكنها لم تحصر نفسها داخل الجدران الرسمية، فالعالم أوسع، والتغيير يحتاج إلى فضاءات أخرى. وهكذا، مدت جسورًا نحو البحث العلمي، فكانت عضوة فاعلة في مركز البحث في قانون الأعمال والتنمية، وفي المركز الوطني للدراسات الحقوقية والقانونية، حيث تلتقي الأفكار، حيث تُطرح الأسئلة الكبرى، حيث يُعاد التفكير في القوانين خارج دوائر الروتين الإداري. هناك، في هذا الفضاء الفكري، تسعى إلى تفكيك التعقيدات القانونية، إلى البحث عن حلول، إلى فهم كيف يمكن للقانون أن يكون أكثر إنصافًا، أكثر قدرة على مواكبة التحولات.

 

لكن ماذا عن المجتمع؟ ماذا عن الشباب الذين يصطدمون كل يوم بجدران الإقصاء والتهميش؟ هنا يأتي جانب آخر من شخصيتها، حيث لا تكتفي بالمراقبة، بل تتدخل، تشارك، تبني. من خلال منتدى بدائل المتوسط، ومن خلال الهيئة الاستشارية للشباب بجماعة تطوان، ومن خلال مختبر حكومة الشباب الموازية، تكرّس وقتها للاستماع إلى الأصوات التي لا تصل دائمًا إلى مراكز القرار. الشباب بالنسبة لها ليسوا مجرد رقم في الإحصائيات، بل هم طاقة، قوة، إذا وُجهت بشكل صحيح، يمكن أن تُحدث فرقًا حقيقيًا.

 

في كل هذه الأدوار، لا تبحث سهام العلوي عن الأضواء، ولا تسعى إلى المجد الشخصي. ما يشغلها أكثر هو الأثر، هو ذلك الخط الذي تتركه وراءها، هو ذلك القانون الذي ساهمت في تعديله ليكون أكثر عدالة، هو ذلك الشاب الذي وجد طريقه بفضل مشروع كانت جزءًا منه، هو ذلك النقاش الفكري الذي ساهمت فيه فغيّر نظرة أحدهم لمفهوم العدالة.

 

سهام العلوي ليست مجرد اسم في قائمة الفاعلين القانونيين والسياسيين، بل هي نموذج لمسار يرفض السكون، يرفض أن يكون مجرد متابعة للأحداث، بل يصر على أن يكون جزءًا من صناعتها، مهما كان الطريق مليئًا بالتحديات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى