
حسن بيريش
(1) على شفير موته كانت تسير ابتسامته، على حافة ابتسامته كان يربض موته.
لا هو أدرك علانية حتفه، في أوج حياته، ولا حياته أدركت سرائر طفولته، في عز انتهائها.
هكذا امتشق ربيعه، وسار بنا نحو خريفنا. لا نحن فهمنا لماذا بلغ هو من القبر عتيا، ولا هو فهم لماذ ذهبنا نحن توا صوب شيخوخة الوجع.
بيد أنه، وهو يسرف في العبور، التفت إلينا وابتسم، وأدركنا أنه يلجأ إلينا، بينما هو كان يودعنا، وأدرك هو أنه يمنحنا ما في طفولته من براءة، وفهمنا نحن أنه يمنحنا ما في الواقع من شراسة.
وهكذا، رحل عنا عدنان، رحل دون أن يمنحنا الفرصة لتقبيل سحر ابتسامته، وبقينا نحن، بقينا دون أن نهب عدنان فرصة الإبقاء على حياته.
(2) فجاة اختفى، وفجأة مات، وما من مسافة تذكر بين اختفاء قسري، ذنبه الوحيد فيه أنه طفل، وموت كافر، ذنبه الوحيد فيه أنه ٱهل بالبراءة.
انتظرنا عودته بشوق، كي نكبر بوطن ٱمن، لكنه لم يعد، وها نحن نصغر في وطن شرس.
راكمنا حوله الٱمال، حتى لا نفقد يقين الطفولة، لكنه غادرنا وتركنا نراكم الحسرات في واقع ظالم مجبول على الظنون، يراكم اغتصاب أحلامنا، وإهدار ٱمالنا، قبل أن يحيلنا على مستودعات الأموات.
فهل نبكي؟
هل نغضب؟
أم نخاف؟
(3) خرج كي يعود، لكنه ما عاد إلا جثة.
كان يضج بالحياة، بالأحلام، بعمر مورق، فاستحال إلى قبر في مدينة ٱثمة تغتال أطفالها الرائعين.
غادر طفلا، ورجع كفنا.
لماذا؟
كيف؟
وعلام؟
أسئلة موجعة جدا، حملها عدنان معه إلى قبر بسعة طفولته المغتصبة، وعلى قدر عمره المهدور.
قتل عدنان، وذهب إلى مثواه في قلوبنا، تاركا إيانا في مهب وطن مرعب، وبين أنياب حياة طاعنة في الفتك.
(4) عدنان، الٱن، في ربيع قبره.
ونحن، الٱن، في خريف موتنا.
هو بجوار من يرحم ولا يظلم، ونحن بجوار من يبطش بنا، يغتال أبناءنا، ويوجع أحلامنا الثكلى.
فيا حبيبنا عدنان:
اغفر لنا تقصيرنا في الحفاظ على طفولتك.
واغفر لنا فشلنا في الإبقاء على عمرك القصير وفي صيانة حياتك العابرة.