فيديو – ما سر توقيت إعلان الإمارات التطبيع مع إسرائيل؟ وكيف يتعامل المغرب مع الوضع؟ ـ مايسة سلامة الناجي

لاشيء أرهق إسرائيل خلال العقود الماضية أكثر من السرية التي تتعامل بها أنظمة المنطقة مع هذا الكيان، فلا يمكن طمس حقيقة أن أغلب بلدان المنطقة لديها مبادلات تجارية أمنية وحتى ثقافية مع إسرائيل، لكن لا نظام تجرأ قبل اليوم الإفصاح عنها بل إن الأنظمة تجاهر بمناصرة القضية الفلسطينية ودعم شعب هُجِّر وقُتِل وأرض غُصبت، إرضاء لشعوبها وإرضاء للضمائر.. وقد تخرج أصوات بين الفينة والأخرى تتهم الفلسطينيين ببيع أراضيهم والتفريط في حقوقهم والتطبيع ضد قضيتهم وتدعو الشعوب إلى الاهتمام بمشاكلهم الداخلية وترك فلسطيين لقدرها، تجسد مغربيا في شعار: “تازة قبل غزة”، وتخرج طوابير خامسة مكيافيلية مصلحجية بين الفينة والأخرى تترزق بالمال الإسرائيلي مقابل إقحام بلدانها وصحافييهم ومثقفيهم وفنانيهم في سلسلة التطبيع العلني بتنظيم الرحلات لتلأبيب والتقاط الصور وتسريبها، أو الزج بأنظمتهم في صفقة القرن كمثال الطابور الخامس المغربي الذي أغرى المخزن بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مقابل إنهاء أمريكي لقضية الصحراء المغربية، لولا أن الملك محمد السادس أقفل الخط.. بأن استقبل عراب الصفقة جاريد كوشنر كأي زائر على طاولة إفطار رمضانية وأنم زيارته بمقابر أولياء اليهود المغاربة وغادر دون رد… ولكن رغم محاولات الطابور الخامس التي تتحول إلى ضغط وابتزاز، لا نظام استطاع الإعلان عن علاقته المحرمة مع إسرائيل، ما شكل عقدة للكيان الصهيوني وأصبحت أولوياته، إلى جانب حفظ أمنه، الاعتراف به علنا، حتى وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتراف الإمارات بعلاقاتها الإسرائيلية ب: اليوم التاريخي. فما سر توقيت الاعتراف؟

عاشت شعوب المنطقة من المحيط إلى الخليج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في وقت تبني أوروبا ديمقراطيات زاهية، مع حكام عاضين على الكرسي عائمين في الخيرات قامعين الشعوب باسم القومية، فمالت الشعوب مظهرا مع العولمة الغربية وبقيت قلوبها معلقة بهويتها الإسلامية تواقة لجماعات وأحزاب ادعت النشأة باسم الله تعد بالإصلاح باسم الدين، فما كان حين هبت رياح الربيع العربي إلا أن قلبت كراسي تلك الأنظمة العاضة وفتحت المجال لانتخابات نزيهة حيث صعدت – كمتتالية طبيعية منطقية لعقود القمع والفكر السائد لدى العامة – تلك الجماعات والأحزاب الإسلامية. وما كان للملكيات الخليجية التي تراها تلك الجماعات الإخوانية حكما جبريا يجب قلبه لإرساء الخلافة، إلا أن توحدت في حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، لم تعتقل فقط الإخوان المسلمين بالتعذيب والتقتيل والانتهاك إنما انتهكت معها الشرعية والديمقراطية ووضعت محل الديمقراطية عسكرا موالين لها، وأصبحت السعودية والإمارات قطبا حربيا جبارا منتهكا لسيادة الدول باسم محاربة الشيعة والإخوان، في اليمن ضد الحوثيين، في سوريا ضد تركيا، في لبنان ضد حزب الله، في فلسطين ضد حماس، في مصر ضد الإخوان، في ليبيا ضد الحكومة الشرعية، في تونس ضد الغنوشي، وفي المغرب ضد بنكيران… لولا أننا في المغرب نحمد الله على ملكية متصوفة إخوانها كشيوعييها خدام العرش كلما اقترب منا دخيل أخرجنا اللطيف لصرفه!

حروب السعودية والإمارات على الشيعة والإخوان وكل معارضيهم الأشاوس أسقطوهما في انتهاكات تستلزم محاكمات دولية، بعيدا عن جريمة تقطيع خاشوقجي، واعتقال مرسي، وحصار قطر، وتدمير اليمن، آخرها استدعاء الأمير السعودي ولي العهد بنسلمان إلى محاكم واشنطن بعد أن رفع عنه المعارض والمسؤول السابق في المخابرات السعودية سعد الجبري قضية محاولة اغتيال… فكان لزاما أن تحذو السعودية والإمارات خطوة لصالح من لديه سلطات طمس هاته الانتهاكات: نتنياهو وترامب. رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي يلاقي احتجاجات ومحاولات إسقاط من طرف إسرائيليين أنفسهم بسبب تهم فساد وسوء تدبير وتوريط إسرائيل في صفقة القرن وتعدد جبهات الحرب مع الأردن بمحاولة ضم الغور، ومع سوريا بمحاولة ضم الجولان، ناهيك مع حماس بمحاولة ضم الضفة الغربية، ومع السلطة الفلسطينية بمحاولة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل…. ثم أصابع الاتهام الدولية التي تشير إليه في كارثة انفجار مرفأ بيروت. ثم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يلاقي احتجاجات ومحاولات إسقاط من طرف الأمريكيين أنفسهم بسبب سوء تدبير جائحة كورونا والعنصرية ضد السود والأقليات والنساء وفتح جبهات عداأء ات خارجية مع الصين وأوروبا وسوء سمعته الخارجية.

فما كان للإمارات إلا أن أقدمت على تحقيق الحلم الصهيوني القديم بالاعتراف بالتطبيع مع إسرائيل، إنقاذا لسمعة نتنياهو، وتحقيق الحلم الأمريكي القديم بإحقاق سلم في الشرق الأوسط مبني على إنهاء فلسطين، إنقاذا لسمعة ترامب، وطمس الملفات الجرائم لبنسلمان المفتوحة في واشنطن أمام أنظار العالم.

طبعا، ستحظى هذه الخطوة بخطوات سعودية مصرية بحرينية، بما أن هؤلاء كتلة واحدة في الحرب على الشيعة والإخوان ومحاباة إسرائيل وأمريكا.. وقد تتبعها ضغوطات إمراتية على بلدان الجوار والمنطقة بما تمنحهم من مساعدات وما لديها من قضايا وملفات.. نحن في المغرب، لا يمكن أن ننكر حجم التدخل الإمراتي في الاقتصاد المغربي عبر عدد من الاستثمارات، والمساعدات التي توالت بشكل كبير بعد موجة الربيع العربي حين تم اقتراح دخول المغرب والأردن في مجلس التعاون الخليجي كملكيات سنية في مواجهة الشيعة، وبعد رفضنا الدخول تم تقسيم مساعدات سنوية كبيرة بين المغرب والأردن من طرف بلدان الخليج يتم ابتزازهما بها، مثلا تم قطعها حين فتح المغرب سفارة إيران فالرباط ومحاولة احتواء الشيعة المغاربة عبر جمعية الخط الرسالي، ثم إعادتها بعد إغلاق السفارة الإيرانية في الرباط… مثلا تم قطعها عن الأردن حين رفض الاعتراف بصفقة القرن، ونحن نعلم أن الأردن يضم من الفلسطينيين واللاجئين السوريين نصف ساكنته..
مثلا تم قطعها مؤخرا حين تراجع المغرب عن إقحام نفسه في الحرب ضد اليمن، رفض المغرب التدخل في سيادته وانتخاباته ورفض إزاحة العدالة والتنمية عن الحكومة، رغم كل المضايقات التي لحقت الحزب من الطوابير الخامسة صحاب إعلام فلوس الإمارات، التي يبقي عليها النظام المغربي على ما أظن كخط رجعة أو خيط معاوية في حالة الصلح ولعدم إرساء قطيعة كاملة.

على كل دولة تريد الحفاظ على سيادتها أن تتخلي عن كل مساعدات دول الخليج. أن نسقط في المغرب في أزمة وفلاس خزينة ونمارس سياسة تقشفية على الكل أفضل من أن نضع أنفسنا وسيادتنا تحت ضغط الإمارات، والتطبيع ما إسرائيل لا يمكن أن يأتي بالضغط، ملك السعودية عبدالله آل سعود رحمه الله كان قد أقر أن لا تطبيع إلا بعد حل الدولتين، ولا يمكن الإعلان عن أي تطبيع إلا بعد أن يرضى الفلسطينيون بدولتهم لا بسلطة منزوعة السلاح. وحينها للملك محمد السادس القرار بما ينفع بلده وما فيه مصلحة للمغاربة مسلمين وغيرهم واليهود المغاربة هنا وفي إسرائيل.
ثم أن نتهئ ربما لهجومات حول وحدتنا الترابية أكثر من السابق…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى