
الحاج نور الدين بامون ستراسبورغ فرنسا 2020
ذكرى تعيد للأذهان سيرة الشباب الطموح الذي رسم خريطة طريقه بنفسه و لنفسه من منطق لاشيء مستحيل إنه الطاتب الشاعر الأديب والموسوعة الشاملة
د.محمد صالح الدربالي حماية بهاز , الفتى العصامي , المؤلف المتألق ,نجم لمع وسطع بريقه وأفل من سماء الحديقة بمتليلي الشعانبة ولاية غرداية جنوب الجزائر
تمهيــــــد:
نجم لمع من سماء الحديقة بمتليلي الشعانبة ولاية غرداية جوهرة الواحات بالجنوب الجزائري وسطع بريقه الأخاذ عاليا, جال وصال ,بحث ونقش ,بصم ورحل, أفل في صمت تاركا ورائه كنوز ثرية وتركة علمية أدبية لا تقدر بثمن.
في إطار سلسلة التعريف بشخصيات وقامات الفكر و الأدب بقلعة الثوار الأشاوس, متليلي الشعانبة بولاية غرداية جوهرة الواحات خاصة, وبجنوبنا الكبير عامة, لاسيما العصاميون من جيل ريعان الشباب من شقوا طريقهم بأنفسهم و نقشوا أسماؤهم بأيديهم و بأعمالهم الخالدة المدونة بسجلاتهم المشرفة بأحرف من ذهب الشاهد حي ليذكر بهم و يحاكي سيرهم للأجيال القادمة مستقبلا في كل مكان و زمان.
منهم الدكتور العصامي الأديب المؤلف الفنان الرسام الخطاط و الرحالة الأسطورة الأستاذ محمد صالح بهاز الدربالي (حماية) , الذي يعد أحد أهم العناصر الشبانية العصامية قيد حياته، الشباب الأنموذج والتي بدأها بالقراءة و المطالعة و البحوث والسفر للتنقيب والتحقيق ,لينتهي به المطاف في الكتابة والتأليف ,علاوة على هذا، قد تفوق في أبحاثه خلال سفرياته للدول التي زارها وتعرف على عديد مؤلفاتها, كما تعرف على حضارتها التي أنبهر بها إنبهارا إيجابيا وعاد إلى بلده ومسقط رأسه بطموحات غير محدودة و بأفاق واسعة يتطلع لتطبيقها وإثراء الحقل العلمي الأدبي بها, إلا أن الأجل لم يمهله الفرصة لتحقيق ذلك وتجسيده ميدانيا كلية بأرض الواقع و فجاءة حلت منيته دون سابق إنذار.
كان واحد من أولئك الشباب الصغار في مصف الرجال الكبار, الأدباء المفكرين, الذين تركوا بصماتهم منقوشة غير كاملة، بفضل إشعاعهم الشخصي وحسهم الفردي و عطائهم الذاتي الدافق، بفضل إنتاجهم الغزير الغير المحدد.
كان إنسانا بسيطا محبوبا من جميع من عرفه و عاصره , رحب الأفق بين أقرانه ، غزير المطالعة شغوف بالإطلاع ,متنوع الثقافة برمتها في شتى المجالات للخير متسارع بالموعطة ناصح و مرشد ودال على الخير
لخص الأستاذ محمد الصالح بهاز مسيرته الأدبية في كلمة واحدة من شقين بعنوان الإرادة و التحدي مقترنة بالطموح ألا منتهي , وبهذا يكون من خلال هذا العمل الأدبي ألا محدود الذي ضحي بنفسه في كثير من المرات و حرم نفسه من عديد الأشياء من أجل أن يسعد الآخرين ويبلغ لهم رسالته بكل ما جادت به قريحته من مخيلات ذاتية وتجارب موضوعية ليستفيد منها القراء والمتطلعين لذلك.
وتلخص هذه السيرة في تجربة شاب مهووس بداء الأدب العصامي , شاب فرط في مستقبله ليظهر فيها ما أحس، وما شعر وما قرأ، وما رأى وما سمع وما لا حظ و ما توصل إليه لينقله بصدق وأمانة من وجهة نطره للمجتمع للفائدة و الإستفادة, خدمة وراحة… وكان يقضي جل وقته نهاره في السعي والعمل على جمع أكبر قدر من المعلومات ليسرع إلى قلمه ودفاتره ليكتب ويدون ما جمعه و رصده حتى لا يذهب هباء منثورا.
لقد مثل الفقيد كل شي في حياته وكان مدرسة فكرية متنوعة، متكاملة الأبعاد والزوايا من عدة جوانب، كان رحمه الله موسوعة أدبية شاملة تركت بصماتها المؤثرة في كل مكان، وتركت آثارها العميقة في حال
البداية :
ككل شاب مولع شغوف متطلع لكل ما يمر امامه و تشهاه عيناه و تلمسه يداه و تسمع اذانه لا بدمن من معرفته و الاطلاع عليه , وشيئا فشيئا انفجرت مواهبه مع إشتداد الأنامل وتراكم خبرته صار صاحب السيرة والتكوين العصامي أديبا شاعرا و فنانا,
إنطلاقا من ضرورة ترحيل من الخبرة إلى الإحترافية لفضاءات جديدة محلية ووطنية و دولية، صار لازما أن تتلاقح وتتزاوج وتتمازج هاته الخبرات في صناعة الأديب الدكتور الصاعد لمستقبل زاهر..
الكثير لا يعرف سيرة الفقيد الدكتور محمد الصالح والذي كانت حياته تشكل أنموذجا للإصرار والمواجهة والتحدي في شتى الميادين وفي مختلف الأوقات العصيبة التي مر بها ومثالا للشباب الطموح يقتدي به.
نعرج في هاته الومضة السريعة بالتعريف بالفقيد الدكتور بهاز محمد الصالح حماية ( الدربالي ). والتنقيب عن مناقبه ونفض الغبار على مأثره التي لا تعد ولا تحصى.
الدكتور العصامي، الكاتب المؤلف، الشاعر الأديب, الفنان الموسيقي, الرسام الخطاط ,الموسوعة الشاملة المتعددة المواهب و الإختصاصات.
مــولــــده :
ولد يوم 14 ديسمبر1986 بمدينة متليلي الشعانبة قلعة الثوار, بولاية غرداية جورة الواحات في فيافي الصحراء الشبكة جذور الأبطال الأشاوس ، وفرد في عائلة ثورية محافظة لها تاريخ متنوع ومتعدد عريق. سليلة الأعراق عن كابر خير خلف لخير سلف .منها من ضحى بالنفس والنفيس في سبيل الحرية و الإستقلال و العيش في أمن و آمان و إطمئنان .
نـشــأتــــــه :
نشأ فيها وترعرع بحي الحديقة التاريخي العريق, حي الجهاد و الثورات الشعبية. حي الأشاوس الفرسان المغاور، الحديقة حاليا الحريقة سابقا والتي سميت نسبة للمحرقة التي حاولت فرنسا القيام بها و القضاء على الأهالي و السكان إنتقاما منهم نظير إوائهم للمجاهدين و تقديم الدعم و المأونة والسلاح و ما يحتاجونه و السهر على راحتهم و حمايتهم و تسيل تنقلاتهم وتحركاتكم, و نظرا لفضاعة الإسم سميت بالحديقة من طرف الفقيد الوالي الصالح العلامة سي الحاج أحمد بن بحوص آل سيد الشيخ بطلب من أهل الخير منهم صديقيه المقربين منه السادة لحرش الحاج أحميده رحمهم الله.
تعـلـيـمـه القـرآنـي:
ككل أبناء الحي و المدينة عامة لم يفوت فرصة التعليم القرآني كبقية كل الطلبة, فتعلم بمسجد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالحديقة على يد فضيلة الشيخ ( الطالب قدور) مولاي عبد الله قدور. فكان من الحفظة و مستظهري كتاب الله حرصا وفهما .
دراسـتــــــــه:
زاول دراسته التعليمية النظامية في مسقط رأسه من إبتدائية بن خلدون بالحديقة و التعليم المتوسط بإكمالية الحديقة, أما المرحلة الثانوية فكانت بمتقن الشهيد أحمد بلغيث بشعأب لعريق و بثانوية الشهيد الحاج علال بن بيتور وكان من المتفوقين دائما, لكنه غادر مقاعد الدراسة و خرج من صف السنة الأولى ثانوي لأسباب و ظروف قاهرة منعته من مزاولة دراسته.
تكوينه:
كباقي الشباب عصر حياته و عفوان شبابه وعصر التكنلوجيا الحديثة لغة الإعلام الآلي و البرمجمة و تطورها إختار عالم الحسوب و تكون في تخصص عون حجز معلومات و برمجيات وهي المهنة التي أحبها و عشقها عن قناعة و إختيار كونها مفتاح باب العلوم والمعرفة برمتها .
عمله و مورده :
ككل شاب إشتد عوده و تاهله للحياة العملية المهنية و بكل حرية و قناعة اختار طريق القطاع الخاص طون قيد و لا سيطرة فكان حر طليقا كما ولدته أمه لا يحكمه قانون ولا يأمره أمر ولا يفرض عليه أمر.
إنتاجه الفكري و الأدبي :
أما في المجال الأدبي فقد نشر في صحف ومجلات جزائرية وأخرى عربية :
أما العمل المؤلف المطبوع الذي تركه والذي مازال قيد الطباعة لم يرى النور و هي :
ألف أربعة كتب وهي : السلام و العقلانية – العظة في الهاوية – لعنة الرماد – ضجر الأرق
وهي عبارة عن مجموعة دراسات، طبعت هنا نسختين عن دار الصبحي للطباعة بمتليلي و النسختين المتبقيتين في إنتظار الطبع مستقبلا.
تحقيق المخطوطات :
تفرغ لتحقيق المخطوطات ودراستها إذ وفق في تحقيق أكثر من مائتين200 مخطوط بمكتبة الإسكندرية بمصر مع الكاتب المصري الأستاذ مختار عبد العليم والكاتب الأستاذ جمال البنا.
شغوف بالقراءة و الكتابة فكان له عمود بإحدى الصحف المصرية ونظرا لحبه للمطالعة و إلتهام الكتب طالع أكثر من 3400 كتاب في مختلف العلوم خاصة الفلسفة – التاريخ – الإقتصاد – علم الإجتماع و علم النفس وغيرهم , مما جعل أصدقاؤه ومحبيه و معاصريه يلقبونه بسعادة الدكتور .
شارك عدة مرات بالمعرض الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة كما شارك بالمعرض الدولي للكتاب بالقاهرة بمصر الذي لم يفوت فرصته أثناء تواجده بمصر .
إضافة إلى مواهبه وما سلف ذكره ولج بحر الشعر، فكانت له قصائد من بوح قلمه, و من أشهر قصائده قصيدة صبرا فلسطين التي رأت النور عبر بعض المنابر لحين جمع إنتاجه مستقبلا ولم يكتفي بذلك فكان عازف موسيقي مدندن على آلة العود محترف بعض المقاطع والنوتات.
وفي إطار أبحاثه ودراسته و طموحه للرقي عاليا فكريا وادبيا قام بعدة سفريات وزيارات للخارج منها ماليزيا – سنغافورة – مصر -روسيا و فرنسا وله لكل منهم قصة وحكاية .
الشاعر المتذوق :
ترويحا عن النفس و تفريج وبوح مكون عرج على بحور الشعر مقتطفا زهرة من بساتنه المتنوعة و جداوله المتفقة المناترة على ثنياه , اشعار في مواضيع شتى مختلفة و ككل عربي مسلم غيور على دينه و اسلامه و قويمته لم يسنى القضية الفلسطينية فكان لها نصيب من بوح قلمه و جميل كلمتاته فكل ما وجدناه من انتاجه قصيدة صبرا فلسطين اليكموها .
العازف المتمرد:
تعود العلاقة التي تربط الأستاذ محمد الصالح بالعود بلا شك إلى السنوات الشباب التي عاشها في البحث عن الذات و التنقيب عن الموهبة الدفينة لصقلها و إخراجها للعلن.
فكان يداعب أوتار العود بأنامل مداعبة الفارس لفرسه والعشيق لمعشوقه كل ما حن للشوق للبوح له بمكوناته و بما يختلج به صدره والذي تعجز أنامله عن نقلها و كتابتها وهو ما لاحظه مستمعيه ساعة عزفه لتكل الآلحان الشجية و النغمات المتتالية بصدى يتردد من هنا و من هناك و ما زالت منقوشة في ذاكرة معاصريه و لو نطقت الطبيعة باحت بالسر الدفين لكن للمنية أجل و للسر كتمان.
الفنان الخطاط /
بتعدد مواهبه و تفجير ينبيعها الفياضة و ولوج عالم الفنون من أوسع ابوابه بعصامياته انتقل من العزف و النغم و الالحان و الشعر و الكتابة و هروبا لفترة استراحة و استرجاع انفاس و بوح مشاعر و محاكات مع الطبيعة راحت انامله تدابع الريشة ودخول عالم الرسم و الخط دون دراية فكانت له صور و لوحات تعبيرية نتكركم تكتشوفتها و تحدثونها لتحكي لكم مسيرة الرجل و مناقب التي يمكن حصرها في هاته العوجلة.
كانت هاته ومضة من فيض للتعريف بشخصه و إسمه و تكريمه نوعا ما لعل و عسى تصل الرسالة و تبلغ للجيمع و ينال الرجل نصيب من حقه و مقامه رحمه الله.
فمهما قلنا وحكينا وكتبنا فلن نوفي الرجل حقه ولو قيد أنملة و جزء ذرة, إذ يصعب علي والحالة هاته أن أختزل سيرته العطرة الحافلة في بضع كلمات، كما لا يمكن إحتواء جل فكره وعمله في أسطر، فمناقبه وأثره أوسع من أن تحتويها عشرات المؤلفات. ولكن والحال بل سأشرك الجميع وأترك لهم الأمر لتحمل المسؤولية التي تقع على عاتقنا اليوم قبل الغد جميعا من رجال العلم والتربية والفكر والثقافة في صرح هذه المدينة العريقة التي عودتنا على إحياء هاته المناسبات وعدم تغاضي النظر عليها , من جمعيات و نوادي و مراكز و باقي فعاليات أطياف المجتمع برمته.
وهكذا تنهي حياة الفقيد الدكتور محمد الصالح في أخر محطة من عمره في عقدها الثالث و نيف , أسال الله أن أكون قد وفقت في جمع ما تمكنت منه و إنتقاء ما يمكن بكل صدق وأمانة بتقديم جزيل الشكر لعائلة الفقيد على الثقة و تشريفي بكتابة سيرته و نقلها للتعريف به و الترحم عليه , فان وفقت فبفضل من الله ومن منه و إن أخطأت وقصرت بجهل مني فلا تلوموا و أسألوا الله لي التوفيق
توفي يوم 06 أوت 2019 عن عمر 33 ثلاثة وثلاثين سنة , ثلاث عقود ونيف من العطاء والكد و الجهد والبحث و التنقيب و التكوين المستمر في سبيل العلم و المعرفة..
والذي كان لوفاته وقع شديد الأثر على نفس جميع أفراد أسرته وأصدقائه ومحيطه من مقربيه ومعجبيه. وخاصة في وقت يكون فيه الأمر من الصعب على الإنسان أن يودع أقرب الناس إليه, من إبن و أخ أو قريب، لاسيما إذا كان هو السند في الحياة المعتمد عليه مستقبلا والمنتظر نجاحه و تفوقه العملي و الدراسي، وعند فراقه أو رحيله يتألم القلب ويعتصر من شدته في هاته الدنيا ويصبح العيش فيها لا يطاق ساعة يومها ولا يزول إلا بمرارة و تحصر، فالأخ لا يعوض ولا تعوضه الأيام مهما طالت وتبددت.
تغمده اللًه برحمته الواسعة وأسكنه فسيح الجنان وألهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان.