قراءة نقدية في كتاب “صيف الوصل بالأندلس “سفر الدهشة للكاتب : عزيز الشدادي تحت عنوان:”في شعرية الفضاء”
الدكتورة كريمة رحالي
يمكن تصنيف ” صيف الوصل بالأندلس”في إطار كتب الأدب العامة،إذ جمع بين أكثر من جنس تعبيري،أدب الرحلة،اليوميات،السيرة الذاتية، التاريخ التصوف….إلخ
واستطاع هذا و المؤلـَّف بهذا التنوع الخلاَّق أن يثري معرفة المتلقي فضلا عن إمتاعه.
وقبل الولوج إلى عالم النص وسبر أغواره وجب الوقوف على بعض عتباته ومشيراته الخارجية المغرية للقارئ،وفي مقدمتها العنوان وهو من الناحية التركيبية يتكون من جملة اسمية،حذف مبتدؤها والمقدر ب”هذا” وخبرها “صيف” وهو مضاف و”الوصل” مضاف إليه و”بالأندلس” جار ومجرور متعلق بالمصدر ” الوصل”.
أما من الناحية الدلالية يشير العنوان إلى الزمن و هو فصل الصيف الذي يحمل معنى العطلة والر احة والسفر و….إلخ و يشير إلى المكان” الأندلس” وهو المكان الوجهة التي يقصدها الراحل مبينا العلاقة العاطفية والوجدانية بينه و بين المكان المستقبل له في لفظ “الوصل”.
ولا يفوتني أن أمر على لفظ “سفر الدهشة” الذي زاد العنوان إثارة وجاذبية لانتباه المتلقي، وجعله يتشوق لقراءة الكتاب لينال حقه من الدهشة الواردة فيه.
وإذا انتقلنا إلى المؤ لِّف فهو “عزيز الشدادي”أستاذ اللغة الفر نسية بالقنيطرة، وضع اسمه على الغلاف بحجم أصغر من عتبة العنوان لأن الهدف هو عرض عمله الجديد الذي انضاف إلى أعماله السابقة ، حيث سبق له أن أصدر ثلاث روايات بالفرنسية ورواية بالعربية بمعنى أن الكاتب له بصمة في الحقل الأدبي وخاصة في جنس الرواية.
فالمجال هنا ليس إ براز المؤلِّف وإنما تسليط الضوء على مؤلَّفه الحديث.
والجديد في الكتاب هو مضمون التقديم وعنوانه الذي حمل اسم “توشية”وهو اسم مرة من مصدر “وشى” ويقال “توشية الثوب” أي تحسينه بالألوان ونمنمته ونقشه مما يجعلنا نستنتج أن المؤلِّف جعل المقدمة نقشا أوليا لكتابه.
فنجده في هذا التقديم يصنف أنواع المدن (مدن رائعة،حزينة،مغرية،تافهة،دافئة،تائهة،محيرة،قاتلة)
وعند مطالعتي لهذه التوصيفات المحددة لماهية علاقة الراحل بهذه المدن ربطت ذلك بما يسمى بشعرية المكان/الفضاء في جنس الشعر حيث إن المدينة كانت من المواضيع المتغنى بها في القصائد .فهناك من الشعراء، من عبرعن تعلقه بمدينته واصفا جمالها، وهناك من رثاها بعد ما ألحق بهامن دمار بفعل الحرب، و هناك من عبر عن غر بته في مدينته بعدما تغيرت ملامحها في العصر الحديث واختفت بعض معالمها الحضارية….
لم يكن هذا التقديم سوى مدخل يبرز طبيعة العلاقة الوجدانية والعاطفية التي أكنَّها الكاتب للمدن التي زا رها أو كان يتوق إلى زيارتها منذ زمن لكونها تشهد على حضارة مميزة ومرتبطة بهويته وخصوصيته الثقافية حضارة انطلقت في عهد المو لى “يو سف بن تاشفين” من المغرب إلى إسبانيا و بالضبط الأندلس التي سميت في عهده بالإمبراطورية الإسلامية.
بعد قراءتي لفصو ل الكتاب،لاحظت دقة الكاتب في تحقيق التوازن بينها من حيث الكم والكيف. وكل فصل وضع له عنوانا مطرزا بعبارة أشبه بالترنيمة الأندلسية التي تتغنى بالحب والجمال وتنحو منحى صوفيا .
وإذا قمنا بإحصاء المفردات الموظفة فيها، وتصنيفها ،نجدها تتوزع إلى حقلي الحب والجمال.
حقل الحب: حبكم _رقَّ _منية القلب_اشتياق_قرة العين….
حقل الجمال: الجميل _حسنه فريد_البدر _مليح….
في الفصل الأول: “يَفْنَى الزَّمانُ وَ حُبُّكُمْ يَتَجَدَّدُ” يحكي فيه المؤ لِّف ظرو ف السفر و عشقه له.
في الفصل الثاني: “سَادَتِي مَا لِي ذَنْبُ” يبين فيه أنه انتقل في رحلة إلى الأندلس ، ليفتح عينيه على الجغرافيا الحديثة، وليس ليبكي على الأطلال.
في الفصل الثالث: ” أَبْرَزُوا وَجْهَكَ الجَمِيلَ” يصف المؤلِّف ركوبه البحر على ظهر الباخرة ووصوله إلى ميناء الجزيرة الخضراء معلنا أنه مكان نهاية هجرة و بداية هجرة أخرى.
الفصل الرابع: “جِسْمي نَحِيلٌ قَدْ رَقَّ” يصف فيه أناقة الأندلس و الأندلسيين ويخوض مغامرة المقارنة بين ” الهُنا” الأندلس و “الهُنَاك “بلد الانتماء.
الفصل الخامس : “جُلْ تَرَ الْمَعَانِي” في هذا العنوان نلاحظ استعمال المؤلِّف أسلوب الأمر المجازي الذي يحمل معنى الحض والتحفيز على القيام بجولة لتر ى معاني الحياة الحقيقية حيث تتجلى الكرامة الإنسانية.
وهذا العنوان إشاري المبنى وصوفي المعنى يجعل من الجولان عبادة تُجلِّي الرؤيا وتكشف حقائق المعاني و جواهرها.
الفصل السادس: “هَذِهِ حَضْرَةُ السُّرُورِ” هنا نلمس انتشاء وفرح الكاتب بالنظام السائد بالأندلس والذي يجعل الزائر يستمتع بما ينظر إليه.
الفصل السابع: “يَا مُنْيَةَ الْقَلْبِ مَهْلاً” استهل هذا العنوان بالنداء “يامنية” وانتهى بالأمر الممثل في المصدر النائب عن فعل الأمر”مهلا” الفعل هو ” أمهلني” وهو أيضا أمر غير حقيقي يحمل معنى الالتماس والاستعطاف ، إذ ينادي على الأندلس ويلتمس منها أن تمهله بُرْهة ليأخذ نفسه من صدمات الدهشة والانبهار بجمالية ” إشبيلية”
و “خِيريزدي لا فرنتيرا” .
الفصل الثامن: “يَا مَنْ هُوَ فِي حُسْنِهِ فَرِيدُ” يبين الكاتب في هذا الفصل تفرد إشبيلية بجمالها، خضرة شوارعها ، وما صنعته المخلوقات بهذه المدينة.
الفصل التاسع: “آهٍ عَلىَ سَاعَةٍ جَادَ الزَّمَانُ بِهَا” هنا يتحسر الكاتب خصوصا عندما يقارن بين” الهنا” و” الهناك” و يتساءل بمرارة عن سبب إزهار الياسمين وتضويعها الفضاء عطرا منذ قرون،بينما لايزهر الياسمين في حداقئنا؟!
وا عجباً، إن أندلس التاريخ أجمل لكن أندلس الجغرافيا أحلى!
الفصل العاشر: “يَا مَنْ عَلَى الْمِلاَحِ تَوَ لَّى” في هذا الفصل وصل المؤلِّف إلى قرطبة ،و دخل فندقا بملامح أندلسية صرفة،وناقش رمزية المفتاح الذي قدمته له ” كارمن” صاحبة الفندق وكأنه أمانة تركها له جدٌّ مُتَأَخِّر سبق له أن مرَّ من” الهنا” من قُبَيْلَلِ!
الفصل الحادي عشر: “اَلْعُودُ قَدْ تَرَنَّمَ”هنا يتساءل المؤلِّف عن سبب سماعه تقسيما على آلة العود عندما دخل قرطبة التي كانت مهوى العقل ومثو ى الفؤاد للملك الشاعر ” المعتمد ابن عباد” و كذا مهوى قلب “ابن زيدو ن” ومهوى عقل ” ابن رشد” وأيضا نجده هنا يناقش رمزية العود وارتباطه بالذاكرة العربية، حيث يستحضر الموسيقي العربي المشهور “زرياب”.
الفصل الثاني عشر: “بُعْدُكُم زَادَنِي اشْتِيَاقًا”الاشتياق هنا يكشفه الصراع الداخلي الذي انتاب الكاتب عندما تذكر مدن الشمال في ” الهناك” وهو يتجول بقرطبة مُبَيِّنا ً الشبه الحاصل بين مدن البحر الأبيض المتوسط.
الفصل الثالث عشر: “اليَوْمُ يَوْمٌ أَغًرُّ”في هذا اليوم استقبلت الكاتب رائحة العطر التي تفوح من أزقة قرطبة كل ملمح وملحظ بها يعبق منه أريج التاريخ فتحول إلى مزار فهي مدينة تضوع منها روائح زكية تمازج فيها التاريخ والعلم و الفلسفة والخط والوراقة والعمارة .
الفصل الرابع عشر: “يا قُرَّةَ الْعَيْنِ ماًلَكِ؟!إن وجود المساجد إلى جانب الكنائس وتغير أسماء المساجد بالكتدرائيات شوش على مفهوم “التعايش” عند المؤلِّف، واستنتج أن في قرطبة يتجسد شعار واحد:”الماضي للزيارة والذكرى والحاضر للصلاة”
الفصل الخامس عشر : “ثُمَّ ناًدُوا :مَنْ افْتَتَن” وقف الكاتب مشدوها بجرأة أمّة ضحّت بحاضرها من أجل مستقبلها ؛مؤمنة بفكرة؛ضاربة بعرض الحائط أي ارتباط أو مصلحة عامة.
الفصل السادس عشر: “اِغْنَمْ فِي الدُّنْياَ ساَعَةً” ركز الكاتب في هذا الفصل على الجانب الأنتروبولوجي ” بالهنا”بما في ذلك الموسيقى (فن الشارع) وما يحققه من متعة للناس المارين أو الجالسين في معظم الساحات أو اللائذين بأفياء الظلال الوارفة بالحدائق الغنَّاء والأكل (البسطيلةـ البيتزا ـ البابلا…)فالناس هنا عاشوا سنوات الظلام ويستمتعون بسعادتهم مما دفعه إلى أن يتحسر على تأخره في القيام بهذه الزيارة.
الفصل السابع عشر: “يَا طَلْعَةَ الْبَدْر الْأَكْمَل “هنا يعلن الكاتب وصوله إلى غرناطة و زيارته للجامع الكبير وقصر الحمراء… و اندهاشه بجمال غرناطة ومفاتنها وبهاء أفضيتها وفتنة مزاراتها وغواية نسائمها ،وروعة حدائقها و إيحاءات بناياتها وإلهام طبيعتها.
الفصل الثامن عشر: ” يَا مَنْ يَهْوَى مَلِيحَ الُمِلاَحِ” هنا يصف زيارته للحمراء حيث الماء والخضرة وحيث معنى المُلْك والقصر و يسرد مسارانتقال وردة ” الجوري” من دمشق إلى” الهنا” ويبين أن التاريخ والاقتصاد وإن اختلفا يعودان صديقين حميمين متشافعين غير مفترقين.
الفصل التاسع عشر “لِي فِي الْهَوَى مَذْهَبُ ” هنا نزل الراحل ببلدة “رندة” الطيبة الرائحة، وأحس بالقوة التي كان عليها الشاعر ” أبو البقاء الرندي”،رغم الانكسار والهزيمة ،الأمر الذي جعل مؤلفنا يحس بأنه أسير الماضي بوعي الحاضر و قيوده.
الفصل العشرون: “قُلوبُنَا مُودَعةٌ عِنْدَكُم “ينقل لنا هنا زيارته لبلدة ” ميخاس” البيضاء التي تجعل من الحمار وسيلة لاستقبال الزوار لدرجة أنهم وضعوا له تمثالا في الساحة الرئيسة رمزا وشعارا للبلدة .
وشبه الكاتب البلدة بالحديقة الأنيقة مما جعله يستنتج أن الجمال لا يكفي بل يجب أن تقترن به الأناقة وتصحبه.
الفصل الواحد والعشرون ” قُمْ تَرَ دَرَاهِمَ اللَّوْزِ” وصل الكاتب إلى” مالقا”و زار متاحفها خاصة متحف الرسام “بيكاسو”و لوحته ” جورنيكا “1937، و المسرح الروماني ،والقصة الشهيرة في قلب المدينة ،وجبل المنارة بالقلعة،و أشجار اللوز….وهنا أدرك أن الفنان ثروة وطنية و رأسمال رمزي (لامادي) قومي.
الفصل الثاني والعشرون “أَنَا قَدْ عَيَا صَبْرِي “بين فيه الكاتب أن زوار مدن الأندلس اختلفوا فيما بينهم بين من يفضل المكوث اختيارا أو إجبارا أو زائرا أو منتظرا ،تجمعهم المغامرة بالحياة مقابل الحياة .
وبالنسبة له،فإنه وإن غادر المكان فإن المكان يسكنه ويأبى أن يغادر ذاته!
انتقلت الدهشة إلينا عن طريق موسوعية الكاتب و ثقافته الواسعة التي زودتنا بمعطيات و حقائق تاريخية موثقة
بالزمان متوسلا بأسلوب سردي ممتع لينقلنا من أدب الرحلة إلى الرواية التاريخية.
“هذا الجامع (جامع المنصور) بني سنة 1184م بأمر من الخليفة يعقوب المنصور الموحدي…”[1]
” من عجائب القدر أن الحلم الأندلسي انتهى سنة 1492م بسقوط غرناطة وهي نفس السنة التي اكتشفت فيها أمريكا على يد كريستوف كولومبس”[2]
ونلحظ أيضا استحضارا قويا للأعلام الرائدة في مختلف المجالات بما في ذلك التصوف” جلال الدين الرومي ـ ابن عربي ….”
الأدب في جنس الرواية ” الروائي الفرنسي بروسيه ميريميه…”
جنس الشعر” ابن زيدون ـ قيس بن الملوح ـالمعتمد بن عباد ….”
جنس المسرح” أحمد بلاس”
الموسيقى”زرياب”
هذافضلا عن استحضاره للمصادر المؤسستية أو الخالدة مثل” نفح الطيب للمقري” و” المعتمد آخر ملوك إشبيلية سنة 1920م” لأحمد بلاس. وهو عبارة عن مسرحية.
ويبدو أيضا أن الكاتب كان مهتما بإقناع المتلقي والتأثير فيه وذلك بتوظيفه أسلوب الاستشهاد الذي يدخل ضمن الحجج النقلية كالآيات القرآنية مثل قوله تعالى : ” مثل الذين حملوا الثوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا”[3]
والمقاطع الشعرية لبعض الشعراء من قبيل”ابن خفاجة[4] و ابن الفارض[5] والمعتمد ابن عباد[6]…”
كما استشهد ببعض الأمثال الحكمية والمأثورات كقول الشاعر المكسيكي ” فرانسيس دي أكاثا[7]” و أقوال جلال الدين الرومي…[8]
إن التيه في ملكوت الجمال متعة،فإذا كانت الدهشة لصيقة بمؤلِّفنا طيلة رحلته فإننا نقع تحت تأثيرها ونحن نتقفى ظله في سفره ونستمتع بالمعاني الصوفية الراقية في المقاطع الشعرية التي استشهد بها في وصف الفردوس المفقود وفي نقله لنا عادته وتقاليده في مجال الطبخ ( البايلا [9]، البسطيلة[10] ، المثلجات المشهورة بمالقة[11] والحساء المالقي ” جازباتشو/كاسطاجو”[12].
و عادة توديع الإسبان للسنة بحيث يهيئ كل إسباني اثنتي عشرة حبة ليودع بها السنة ويستقبل أخرى[13] وثقافة الحمام في قرطبة[14] وعادة تمليح الأسماك عند المالقيين[15]
وكما سلف الذكر فإن اتساع أفق ثقافة الكاتب أثرى حقيبتنا المعرفية أوقفتنا في مناسبات كثيرة من النص موظفا تقنية التفسير الممثلة في التعريف خاصة عندما عرف بفن الفلامنكو[16] و بالعرب والمسالمة والمولدين والمستعربين[17] وبحي البيازين[18] وبوردة الجوري…[19]
ولا يخفى علينا أن كتب الرحلة تركز في طياتها على الأمكنة، معمارها وجغرافيتها وخصائصها وهيمن على المؤلَّف أسلوب الوصف وخصوصا وصف الأفضية/الأمكنة.
و بناء عليه يجوز القول إن الجنس الفني المهيمن على أغلب فصول الكتاب وفقراته هو ” أدب الرحلة” حيث يمكن اعتبار الكتاب دليلا سياحيا نسترشد به عند زيارتنا للأندلس (الجغرافيا الحديثة ).
وأهم المحطات الجميلة التي نزل بها :قصر المورق،جامع اخيرالدا،إشبيلية،قرطبة،غرناطة،حي البيازين،قصر الحمراء،بلدة رندة، بلدة ميخاس، مالقة، ساحة باب الرملة…
وإذا كان المؤلِّف يبين في بداية الكتاب أنه ذهب إلى” الهناك”(الأندلس) ليس ليبكي على الأطلال أو ليتأكد من حقيقة الوجود العربي بالأندلس بل ليفتح عينيه على الجغرافيا الحديثة ،فهو لم يسلم من الوقوع في فخ التحسر على ” الهنا”(بلد الانتماء)مقارنا بينه وبين” الهناك” ويصرِّح بذلك في بعض المواقف مثل: “أنا لا أحمل كرها مجانيا للبلد لهذا “الهنا” الذي أعطاني الانتماء…..”[20]
” ….في الهناك أ ريد أن أغرب وجهي لكي أرى غروب شمس أخرى بشكل رائع في أرض تشرق منها شمس الحضارة…” [21]
” هنا الشارع لايحمل معنى سيئا، ليس عيبا أن تبقى متأخرا في الشارع….”[22]
” هنا الاهتمام مرادف للتنمية….”[23]
” هنا تصبح كل التفاصيل المؤلمة في” الهناك ” مجرد بديهيات…”[24]
وفي بعض الأحيان تجر المقارنة الكاتب إلى السخرية والتعبير بأسلوب فكاهي مرح وطريف مثل قوله”…تخلصت من كل المزعجين،فبعض البشر مثل العطسة ترتاح جيدا عندما تخرجهم من حياتك”[25]
قوله” ….تُذَكِّرُك أن معجو ن الأسنان وظيفته الأساسية هي حماية الأسنان من التسوس وليس من الابتسامة…”[26]
وقوله” يكفيني من الفندق والنظافة و الهدوء والأمان،هذا ما يميز فنادق الأندلس والباقي محسنات بديعية تزيد المعنى بلاغة”[27]
من البديهي أن يتبع انتهاج المقار نة كآلية حجاجية تقوم على الوصف والتفسير والإمتاع والتأويل بالتأويلات/ الاستنتاجات التي تمثل قيمة مضافة للمؤلِّف والمؤلَّف وإفادة للقارئ حيث نجد الأستاذ عزيز يضع بعض الخلاصات أو الاستنتاجات تحيل على خبرته وتجربته الغنيتين ويعرضهما في قوالب حكمية و تحفيزية:” فكل بلد له وروده وأشواكه لكني أدرك أن البلد مثل الأب قد يقسو على ابنه لكنه لا يكرهه،يغضب ويذهب بعيدا ثم يعود إليه كأنه يعود إلى نفسه بعد أن ينطفئ جمر غضبه”[28]
فرق شاسع بين من يعيش الحياة ليستمتع بها وبين من يعيشها ليثأر منها”[29]
” حافظ على ابتسامتك و سخريتك وأنت تطمح إلى تغيير العالم المحيط بك أو العيش في زمن آخر”[30]
“النظام يولد الهدوء، يجعلك تتمتع باللحظة ،بالأشياء،بما تنظر إليه، بما تنتظره”.[31]
” لكي تجلب إعجاب و رضى وعطف الناس ومن ثم تجعلهم يتقاسمون معك متعتك يجب عليك أن تعرف أن شيئا ما يزعجك بداخلك ويرغمك أن تخرجه فنا ،إبداعا حتى وإن اختلفت صورته….”[32]
خلاصة العصارة يمكن القول : إن هذا النص الأدبي المو سوعي المتنوع والشامل كتب بلغة أنيقة و رشيقة متحت من معين المعجم الصوفي النوراني واندلقت في مجاري أسلوبية وتركيبية فائقة المعنى فاتنة المبنى أضفت على النص جمالية وانسيابية وكثافة في المعرفة والمعنى كثافة تغني لا محالة ثقافة القارئ وتغر يه بالمواصلة والوصل ، وصل الماضي بالحاضر ، و وصل الهنا بالهناك، ووصل الذات بذاتها بجذورها المنسية ، إذ لاحياة للأغصان المزهرة إن اجتثت جذورها.