كبرنا عمراً وبقينا اطفالاً في تلك القرية 

سامية المراشدة – الأردن
من هنا و على بعد أعوام التي مضت من أعمارنا كانت تفصلنا عن الواقع الذي يقاس  بمسافات كيلومترات طويلة حينما نشد العزم ونذهب في رحلة ليست فيها استجمام او من باب الرفاهية إنما هي رحلة شوق  إلى القرية التي  يسكنها حنين الطفولة ، في هذه الرحلة لم تقلنا تلك الحافلة الوافقة في مجمع السفريات عمان  إربد أو ذلك التكسي الذي يقوده السائق  وهو يسمع أغنيته المفضلة لوديع الصافي دار يا دار ، أو حتى سيراً على أقدامنا التي حفظت الطريق ما بين السهل والجبل .
  جميل أن نزور ماضينا الذي تصدع جدرانه من الحاضر الممل المتعب ،نزور قريتنا التي لم تبقى كما هي بشوارعها ومنازلها وناسها نبحث عن الطفل الذي بقي فينا وما زال يلعب في أزقة الحارة حتى كبر وأصبح يذهب إلى المدرسة وبعدها إلى الجامعة والآن قد شاب شعره و اصبح يتحدى قواه  ، هذه الزيارة لابد منها وتأتي فجأة وتذهب فجأة لكن تبقى زيارتنا خجولة تأتي ما بين غمضة عين في لحظة سرحان  وبصمت عميق وتأمل ، ونحن  الجالسون في أماكننا،  وتاخذنا الدنيا إلى زاوية بيت القديم الذي ذهبت ملامحه ،حيث كنا مع أصدقائنا جالسين نشرب القهوة سوياً وأمامنا  شجرة الزيتون واحياناً نذهب في جلسة مختلفة الى تلك الصخرة المطلة على الوادي وأمامنا القرى المجاورة .
    تلك القرية التي بالفعل تركنا طفولتنا فيها ونسينا أن نأخذها معنا لتلعب مع أبنائنا في المدينة ، تركنا في طفولتنا أشياء كثيرة لم نقدر  أن نستردها منها ملابسنا التي صغرت علينا التي اشعرتنا  بالفعل أننا كبرنا،ولكن أبت أمهاتنا أن نشتري ملابس أكبر  لأننا  كبرنا عمراً وعقلاً .. ونضجاً  ، حتى باسم ورباب تلك الشخصيات التي أحببناها  التي رافقتنا في الصف الدراسي الأول بقيوا هناك بنفس الكتاب و تركونا لندرس كتب أخرى ، حتى اصبحت كتبنا أكثرُ ثُقلاً وتركنا القلم الرصاص  وأصبح قلم الحبر هو بالنسبه لنا الأفضل، حتى دفتر الرسم القديم كانت فيه رسمة متكررة في كل صفحة و لم نتعلم أن نرسم غيرها ،كانت الرسومات عبارة عن منزل صغير وشجرة وشمسٌ مُشرقة، هذه الرسمة لم تأتي عبثاً فقط لأننا لم نرى في قريتنا إلا منزلنا الصغير و الشجرة التي في أرضنا والشمس  التي كانت باعتقادنا تشرق فقط لأجلنا ،وبعد ما ذهبنا إلى المدينة رأينا منازل أكبر وعمارات  وسيارات وشوارع أكثر وأكثر حتى خدعتنا بهجة المدينة وسط الزحام والفوضى .
    لكن ماذا لو ذكرنا المسافات فكل طريق فيه شيء يذكرنا ببداية الرحيل  إلى المدينة ، فكم مضينا واقفين على حافة الطريق ننتظر الحافلة التي فيها من يشبهننا في الطموح لكي نذهب الى المدينة وكم كانت تؤثر فينا نقصان القرش والشلن من الأجرة، وكم سعينا لنرضي قناعتنا لأن المستقبل كله فيها ، واليوم نمتلك السيارة ولم نعد نقف ننتظر الحافلة بل نمر مرور الكرام على أماكن وقوفنا لنتذكر أننا وقفنا هنا وهناك لنعلم بالفعل أننا تجاوزنا المرحلة ،كم كانت المغريات بان المدينة هي الأجمل ،بالفعل تغيرنا مثلما كانت هي المدينة
  تلك المسافات لم تفصلنا عن شريط ذكريات شقاوتنا التي لم نراها في أبنائنا في هذا الجيل ، وحينما يعود الحنين ومعه أصدقائه وقصصهم نلتفت جانباً نحو عبثيات الحياة التي جعلت منّا أشخاص مختلفين أكثر مرونة مع الصعوبات ، واكثر صلابة مع الأمور السهلة والمتاحة ، وعدا عن ذلك ارهقتنا المسافات بل اتعبتنا الذكريات ،، ونحن جالسون في أماكننا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى