مجموعة سناء الشعلان المسرحية: سيلفي مع البحر، سقوط الجدار الرابع”

نزار حسين راشد/ الأردن

سقوط الجدار الرابع، هي التقنية التي توظفها سناء الشعلان في المسرحية الأولى من مجموعتها المسرحية “سيلفي مع البحر”.
   

    المسرحية الأولى “دعوة على شرف اللون الأحمر” اللون الأحمر، شهادة الدم، لون الديكتاتوريات المفضل، قطع أصابع الروائية “شخصية رئيسة في المسرحية؟”، ألا يستدعي ذلك تكسير أصابع علي فرزات، وقطع عضو حمزة الخطيب، التاريخ القريب، الحاضر في الذاكرة، هنا يسقط الجدار وتمتزج وتتداخل أحداث الواقع بأحداث الخشبة، حين أسقط برتولد بريخت جداره، لم يكن يريد جمهوراً من المتفرجين، بل من المشاركين في صنع الحدث، نقلة من الخطاب إلى الفعل!

الحلم الممنوع ، أحلام الشعوب المصادرة، المسوقة بسوط القهر المطلوب أن تتمرد عليه، الكاتبة تمارس الاستفزاز لتدفعنا إلى الفعل، وهكذا تجد نفسك معها في خندق واحد، خندق الرافضين لتوحش الطغاة واستهتارهم بالحياة وإنسانية الإنسان، الطريقة المثلى لإيصال الرسالة، فالضابط المتغطرس يثقب أذنيك بالعبارة الوحيدة التي لا يردد غيرها:

-ناولني السوط!
-ولكن السوط في يدك يا سيدي!
-أناولني سوطاً آخر إذن!

المسرحية الثانية “سيلفي مع البحر” الاستهتار بالحياة بالإنسانية لدرجة التقاط صور تذكارية مع الجثث الغارقة، معاناة الآخرين كمصدر للمتعة،  سادية مطلقة؟لا بل أكثر من ذلك، تجرد تام من الإنسانية حيث يقف الإنسان المتوحش عارياً، دون ندم ودون إحساس بالخطيئة، بل متباهياً بجريمته، فلم يصبح من النادمين كما فعل قابيل، ولم يحس بفداحة خسارته  وعجزه، كما فعل، لا بل يقف متفاخراً بقبحه وبشاعته، لدرجة أن يخلدها في صورة سيلفي، إنه يخطف الطوق من أيدي الناجين، في سلوك يشي بفساد الفطرة وخراب الضمير، تسميهم سناء بوضوح، الصهاينة الوجه الآخر للتوحش، الذين يستعيرون اسمك ويتعلمون لغتك، يمارسون التنكر ليندسوا في صفوفك ويطعنوك من الخلف، أليس هذا ما تفعله عصابات المستعربين، على أرض فلسطين، أليس ذلك ما فعله عرابهم الكبير في أبي غريب في العراق،  العراق ليبيا سوريا، ساحة واحدة مستباحة كما صرخ أحمد فؤاد نجم قبل عقود، وفي كل ساحة وبلد مستباحة، بفعل السياحة مع الأمريكان، نعم! علينا أن نكرر الصرخة، هذه رسالة الكاتب الملتزم بقضيته، لا بل بقضية الإنسان، خفر السواحل الذين يتصيدون المهاجرين الفارين لا لينقذوهم، بل:
-لنعيدهم إلى الجحيم!
الجحيم الذي صنعته أيديهم ابتداء، من فلسطين وعلى امتداد الخارطة العربية!

   نعم!إنها تشير بالسبابة إلى صدر العدو وتسميه بالاسم دون مواربة، العجوز يرفع الآذان متشبثاً بعقيدته في مواجهة حكم بالموت، ويستحضر الذاهل ذات الصوري، المعركة البحرية التي هزم فيها المسلمون الروم وحطموا أسطولهم، والميدان هو البحر ذاته التي تلتقط معه المجندة صورة سيلفي، المُعذّب يعرف جلاده، ولذا يقول محمود درويش:
خيول الروم أعرفها
وإن يتبدل الميدان!

    وفي المسرحية الثالثة” وجه واحد لاسمين ماطرين”
تستحضر سناء الرواية الدينية، آدم وحواء، وحكاية السقوط البشري،
هنا تذبح الأخلاق على مذابح الجشع و الشهوات، وتتحول إلى مجرد قناع، تسقط الوجوه التي يحاول آدم وحواء ، الرجل والمرأة بطلا المسرحية، استعادتها عبثاً، والمطر رمز التقاء يتحول إلى كابوس دائم، وهو الخلفية التي تتوالى الأحداث على إيقاعها، لا بل هو الغلاف الذي يحتويها بمجملها، حوارية طويلة يبوح فيها كل من الرجل والمرأة بحكايته للآخر، وهنا نتبين زيف القيم وتمرغها في الوحل،  الوحل المقترن دائماً بهطول المطر الذي لا ينقطع على امتداد المشهد، فهل هذا هو القدر الإنساني القاتم، مواصلة التردي دون أمل في النجاة، والرضا بهذه النهاية المقفلة؟

    هنا تلقي إلينا الكاتبة بطوق النجاة، وتفتح لنا كوة الأمل، في انسجام مع رؤيتها الذاتية ككاتبة، إنه الحب، طريق الخلاص الذي تعتنقه الكاتبة وتضعه على لسان بطلها، حب الخالق، الحب الصوفي ، الوحيد القادر على أن يسمو بنا فوق ، الطين، طين الجشع والرغبة والاستئثار وحمأة الشهوة.

    إنها الثيمة الإنسانية التي تضع الإنسان أمام خياراته، وتفتح بصيرته على الخيار الأفضل، الذي أدار ظهره له، حين أصبح عبداً لأطماعه وغرائزه!

   وفي “محاكمة الإسم x “
ندخل قاعة محكمة هزلية تنقلب فيها الأدوار ليصبح البريء متهماً والضحية جلاداً، إنها مأساة الشعب الفلسطيني الذي  سرقوا منه أسمه ثم حاكموه على فقدانه، ثم اتهموه بالجنون، وأودعوه في مصحة عقلية.

  وهنا يصبح الجنون هو صوت العقل الوحيد، ولكنه الصوت الذي لا يأخذه أحد بجدية، حتى لو اعترف الجلاد، وهو هنا شخصية المدعي العام، حتى لو اعترف بتزويره للحقائق وإيقاعه للظلم على ضحاياه، وحتى لو اعترف الطبيب بأن السلطة العليا أملت عليه ما يفعله.

    إنها المفارقة التي يعايشها الفلسطيني معايشة يومية، فالكل يعرف أنه صاحب حق، والكل ينكر عليه حقه هذا من هيئات أممية إلى حقوق إنسان إلى قانون دولي، أما من يجاهر بالحقيقة عارية كما هي، فهو المجنون، المخالف لصوت العقل، لأن القوانين الدولية التي لبست عباءة التحكيم، وجلست على كرسي القضاء، تقرأ فقط من كتابها المدرسي، الذي صاغت نصوصه المصالح والانحيازات.

المسرحيتان المتبقيتان سأعرض لهما في مقال آخر.

ولكن الصوت بلغ الأسماع حتى وإن تظاهرت بالصمم والرسالة تم استلامها، بسقوط الجدار وتحية للكاتبة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى