مدى جواز الوكالة في الصلح أثناء مباشرة مسطرتي الطلاق والتطليق
ياسين برقوش
باحث في القانون الخاص – خريج ماستر– المهن القانونية والقضائية
مقدمة : لعل المتمعن في صيغة العنوان المسطر أعلاه، سيلاحظ بأنه يوحي إلى أن الإشكال يثار بخصوص مدى جواز الأخذ بالوكالة في مسطرة الصلح كإجراء إجباري عند مباشرة مسطرتي الطلاق أو التطليق، وهذا يعني بأن الأمر يتعلق بالصلح وليس بانحلال ميثاق الزوجية عن طريق الطلاق أو التطليق كما سلف الذكر، وذلك لأن المشرع لم يمنع الوكالة في التقاضي، حيث يمكن لأحد طرفي العلاقة الزوجية الذي يرغب في الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك عن طريق محام مسجل بجدول من جداول هيئات المحامين بالمملكة.
وما قيل عن الطلاق يقال كذلك عن مسطرة التطليق، مع الإشارة إلى أن هذا الأخير لا تأذن المحكمة بالإشهاد به وإنما تحكم به في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق.
وبناء على ما تقدم، يتضح على أن أهمية موضوع الوكالة تطفو إلى السطح حينما نكون أمام مسطرة الصلح باعتبارها مسطرة إجبارية وفقا لما تضمنته مقتضيات المادة 81 من مدونة الأسرة، حيث أقر المشرع جزاء لكل من الطرفين عند عدم حضورهما بعد استدعائهما من قبل المحكمة المختصة.
وبعد هذا التوضيح يحق لنا أن نتساءل عن مدى جواز الأخذ بالوكالة في الصلح من عدمه عند مباشرة أحد المساطر التي بموجبها ينحل رابط الزوجية.
وقصد معالجة هذا التساؤل نرى أنه من المفيد أن نعرج (أولا) إلى الاتجاه الرافض للوكالة في الصلح، وننتقل بعد ذلك لموقف الاتجاه القائل بجواز الوكالة في الصلح (ثانيا).
أولا: الاتجاه القائل بعدم جواز الوكالة في الصلح
إن أنصار هذا التيار يذهبون إلى أن اعتماد الوكالة في الصلح ينتفي والغاية التي ارتآها المشرع من الصلح، ذلك أن هذا الأخير لا يمكن أن يكون محل اعتبار ما لم يكن الشخص المعني حاضرا بنفسه.
فالصلح يستهدف الإصلاح بين الزوجين، وما دام الأمر كذلك، فإن مسألة الصلح هي مسألة شخصية لا ينبغي لأحد من الغير أن يقوم بها نظرا لما يقتضيه حضور الطرفين لاستشارهما عن أشياء خاصة أمام القاضي أو أمام من تنتدبه المحكمة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين.
ويضيف نفس الرأي، أن التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يكون على الطرفين قصد إعادة الأمور إلى نصابها ينتفي بحضور الغير بدل حضور من يعنيه الأمر، فحتى وإن فرضنا جدلا أن الوكيل الذي يقوم مقام الموكل يأمل إلى الإصلاح بين الزوجين إلا أنه في نهاية المطاف يكون قد تلقى تعليمات الموكل ولا يملك معها إلى التصريح بما أشار إليه.
وعلاوة على ما سبق، يؤكد ذات الاتجاه، على أن المشرع المغربي بعدم تنصيصه على إمكانية الوكالة في الصلح أثناء الطلاق أو التطليق يبين رغبته على عدم جوازها، سيما وقد سبق له أن منح هذه الإمكانية من خلال المادة 44 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة.
وإذا كان هذا هو موقف الاتجاه الرافض للأخذ بالوكالة في الصلح، فما هو يا ترى موقف الاتجاه القائل بجوازها؟
ثانيا: الاتجاه القائل بجواز الوكالة في الصلح
يعتمد هذا التيار في رأيه على دعامتين أساسيتين، الأولى تتصل بالفقه الإسلامي وخاصة الفقه المالكي، والدعامة الثانية ترتبط أساسا بالقانون.
وعلى هذا الأساس، يرون بأن الوكالة شرعت لرفع المشقة وجلب التيسير، ومن ثم فإنه بناء على أن الطلاق والتطليق حق لكل من الزوجين وفقا لمقتضيات المادة 78 من مدونة الأسرة، فإن القاعدة الفقهية تقول، “من ملك حقا ملك التوكيل فيه“.
وفضلا عن ذلك، يستند أنصار هذا الرأي على أن الوكالة هي تكليف شخص من الغير ليقوم مقام الموكل في تصرف جائز ومعلوم، ثم من جهة أخرى فإن الوكالة شرعت في إطار مبدأ التكافل الاجتماعي والتعاضد الإنساني.
وحسب ذات الرأي، فإن فقهاء المالكية ذهبوا إلى أن هناك أعمال تجوز فيها الوكالة وهي التي تتحقق فيها مصلحة الموكل دون ضرورة لحضوره، ومنها الوكالة في الصلح أثناء الطلاق أو التطليق، أما الأعمال التي لا يجوز فيها التوكيل فمنها: الإيمان، الصلاة، الشهادتان، الاعتقاد في الله.
ومن الناحية القانونية فقد أسس هذا الرأي موقفه بناء على مجموعة من النصوص القانونية ذات الصلة بالوكالة من قبيل، المادة 400 من مدونة الأسرة، الفصول 879 و894 و892 و 925 و230من ظهير الالتزامات والعقود، وكذلك الفصلين 180 و 42 من قانون المسطرة المدنية، فضلا عن المادتين 31 و32 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.
وكلها مقتضيات تؤكد، حسب ذات الرأي، إمكانية اللجوء إلى الوكالة في الصلح عند مباشرة مسطرتي الطلاق أو التطليق، لأنه لا وجود لمقتضى قانوني يحول دون اللجوء إلى إمكانية الوكالة سيما وأن المادة 400 من مدونة الأسرة تنص على أن” كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف“.
وتأسيسا على ذلك، استقر بهم الرأي في الأخير إلى أن الوكالة في الصلح من الجائز اعتمادها مادام أن القانون والفقه المالكي “لا يمنع الأخذ بها“.
خاتمة:
حاصل القول، إن عدم إيراد المشرع لنص خاص يقضي بجواز الوكالة أو عدم جوازها في الصلح خلال ممارسة مسطرة الطلاق أو مسطرة التطليق، أدى إلى بروز اتجاهين متعارضين من الفقه؛ بين من يتبنى موقف الرفض من جهة وبين من دافع من جهة أخرى عن الأخذ بها تكريسا للقاعدة الفقهية القائلة بأن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه.
وقد انتصر قضاء محكمة النقض لرأي الموقف الثاني من خلال تكريسه لقاعدة إمكانية اعتماد الوكالة في الطلاق والتطليق استنادا إلى مقتضيات المادة 400 من مدونة الأسرة التي تحيل على الفقه المالكي الذي يجيز الأخذ بها في قرارها عدد 941 بتاريخ 2013/12/24 في الملف الشرعي عدد 2012/1/2/384.
وعلى ضوء ذلك، نرى على أن الموقف القائل بجواز الوكالة حري بالتأييد، إذ أن الأصل أن تباشر المسطرة، مسطرة الصلح، من الزوجين المعنيين بصفة شخصية، والاستثناء يمكن قبول الوكالة الخاصة كلما اقتضت الضرورة ذلك.
==============================
زوروا «موقع رائدات»
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زورونا «إنستغرام رائدات»
وللاطلاع على فيديوجراف المشاهير زوروا «تيك توك رائدات»
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «يوتوب» «قناة رائدات»