الرباط/ مهى الفلاح
ينظم منتدى مغرب المستقبل-حركة قادمون وقادرون مؤتمره الوطني الثاني تحت شعار “استمرارية..تراكم..وفعل.. متجدد ” يومه السبت 25 يونيو 2022 على الساعة التاسعة صباحا بمقر المؤتمرات ابي رقراق – الولجة سلا.
منتدى مغرب المستقبل-حركة قادمون وقادرون: الورقة الخلفية للندوة الموضوعاتية للمؤتمر الثاني
حول موضوع: الذاكرة الجماعية للديمقراطية في المغرب
على امتداد التاريخ، عرفت المجتمعات صراعات قوية وعنيفة في العديد من الأحيان في تناقض حاد بين التسلط والحرية، والبحث عن العدل والمساواة لإيجاد سبل الحد من احتكار السلطة والثروة، ومواجهة الاستغلال والاستبعاد الاجتماعي. في هذا المخاض، برزت مختلف القيم التي جاءت بها الديمقراطية الحديثة في تدبير شؤون حياة المجتمعات، وفي هذا الإطار برزت كذلك مختلف الديانات عبر التاريخ كخطاب وممارسة لحماية المستضعفات والمستضعفين. هذا المخزون الثقافي القيمي لدى الشعوب هو الذي شكل الحاضنة للتجارب الديمقراطية الحديثة، التي ساهمت في ولادتها حروب وثورات سياسية وتكنولوجية ورقمية واحتجاجات ورجات ثورية وحركات اجتماعية وثقافية.
ولا يختلف اثنان على أن ديمقراطيتنا، في حالة انتقالية دائمة. ليس فقط في مؤسسات الدولة، ولكن كذلك في المؤسسات السياسية، الحزبية، النقابية والمدنية، مما يستدعي آليات أخرى للمقاربة والدراسة والتمحيص للجواب على أسئلة جوهرية من الديناميات التاريخية للمخزون الثقافي والسياسي للمجتمع المغربي.
و يعتبر موضوع هذه الندوة من المواضيع المهمة في حقول العلوم الاجتماعية وذات اهتمام الكبير في فضاءات النقاش العمومي، والذي نريده مدخلا ضروريا لاستحضار العديد من المحطات والذكريات والمعرفة والمعلومات المشتركة التي يتقاسمها العديد من الفاعلين السياسيين والنقابيين والمدنيين، والتي شكلت مع مرور الوقت ذاكرة جماعية تمثل الأحداث الماضية، والصور، والسرد ،وقيم أفكار هذه المجموعات الاجتماعية، بتمثلاتها للسلطة وكيفية ممارستها، وبرفع مطالبها الإصلاحية الدستورية والسياسية، و تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والتعددية الثقافية والدينية وتكريس الديمقراطية.
لقد أثبتت العديد من الدراسات الاجتماعية والأبحاث السياسية، أن هؤلاء الفاعلين يمكن أن تكون لديهم اختلافات كبيرة في تمثلهم لأحداث الماضي، بصراعاته، وانتصاراته وانكساراته، وفي اختلافاتهم حول مفهوم الديمقراطية ( بين من يعتبرها ثقافة ومن يعتبرها آلية ومجموعة من الإجراءات). لكنهم ساهموا في خلق وصناعة إنتاج معرفي ثري، يحتاج في حاضرنا لمنهج علمي وأدوات معرفية لتأسيس تاريخ جديد للديمقراطية في المغرب، يسمح لولوج مغرب المستقبل من بابه الواسع.
ولعل ما نعيشه اليوم من نسيان وتزوير للحقائق والوقائع والأحداث أحينا، يجعلنا أمام العديد من الفصول والمحاور نخشى أن تتلاعب بالذاكرة، نظرا لهيمنة الثقافة الشفوية والانتقائية المنحازة، و التي تحول التاريخ إلى أساطير وخرافات.
إن الذاكرة التي نريد أن نتحدث عنها في هذه الندوة الموضوعاتية، هي ذاكرة خاصة بجماعة الفاعلات والفاعلين في الفضاء العمومي، وليس العقل السياسي الجمعي المشترك بين مختلف الجماعات المكونة للمجتمع، والذي يشكل مجموع كل هاته الذاكرات الجماعية الغنية و المنغرسة في تاريخ المغاربة ( من بينها تجربة “الجماعة” و “جماعة القدامى” ودور “التويزة” و”الوزيعة” كشكل من أشكال التضامن والتدبير الجماعي التشاركي وفض النزاعات الفردية والجماعية).
فهناك ذكريات دينية، وطنية، سياسية وثقافية، عشناها منذ الطفولة، نعتقد أنها ذكريات فردية، في حين أنها كانت نتاج عوامل تاريخية، اجتماعية، ثقافية وسياسية عميقة. كما أن لكل واحد منا ذاكرته، وكل واحد منا شارك ولازال بصناعة ما يتذكره، كما أن كل واحد منا يحتاج لمن يساعده على تشكيل ذاكرته.
نتمنى أن نسلط الضوء في هذه الندوة الموضوعاتية على خصائص ومقومات الذاكرة الجماعية وعلاقتها بالديمقراطية في المغرب، ومدى تأثيرها ومشاركتها في صناعة الذاكرة الفردية، لإضاءة العديد من مناطق الظل في تحليل التحولات الجارية والتي لا تسمح المفاهيم الكلاسيكية لعلم السياسة بتحليلها. كما نتمنى أن تساهم هذه الندوة في فتح فضاء أرحب للنقاش والمشاركة في صناعة رأي عام جديد حول الهوية التاريخية والاجتماعية للديمقراطية في المغرب، وحول ثقافة الديمقراطية كقيم سياسية يتبناها الناس ويمارسونها لتحرير الممكن، لضمان فضاء عمومي منظم ومؤطر، يكرس الوحدة الوطنية والترابية، ويضمن العيش المشترك والمواطنة الكاملة و المصلحة العليا للوطن، في إطار دولة الحقوق والواجبات.
المصطفى المريزق
الرئيس الناطق الرسمي
زر الذهاب إلى الأعلى