لابد أن يأتي الوقت لنفتح الباب لنودع أيام الشباب ، نعم سنكبر وسنقترب الى النهايات ، نهاية كتاب فيه قصة الرحلة الطويلة وبداخله فوضى من الورق لم تُنضمها حروف الكلمات ، ما أجمل الورقة الأولى فيها الأسم وآخر الورقة التاريخ معها التوقيع وخلاصة الحياة ، في هذا الوقت نريد الى غمرة الخريف كحنان الزوجة او الزوج وطمأنينة الأبن البكر في الوعود الشتاء ، ورياح دافئة تُخبئها اشعة الشمس دون عِلم الظلام كالطبيب الذي بدوائه يشفي الآلام ، نعم أيدينا سترتجف ليس بردا لكن ربما سنفتقد المصافحة و السلام ، و قَلة كلام العيون بسبب عدم وجود اللقاءات ، والخجل الذي أذبل وردة العمر ما زالت تتعطر من ذكرى ماضيها لا تتكلم ! لكن الألم قد غلب عليها ،والحب والعتب والفرح والحزن والفراق سنبحث عنه وسنجد ليس له أثر ، و قد اجزم ان السنين قصدا عنّا تُخفيها .
قال أحدهم اليوم ذهبت الى المقهى الذي اعتاد عليه الزوار و كان متسع دائما للحديث والفضفضات وجلست فيه وكنت وحيدا ، و الكرسي الذي وضع بمقابلي رفض أن يتصور لي أي خيال أو ربما ذاكرتي نسيت كل الخيالات ، و بين النظرات و أصوات الأغنيات صادفت شاعرا يبتسم لقصيدته كتبها و لم ينهيها نسي معانيها ونسي لمن يكتبها لكنه قال معتذرا بأنها ذهبت مع أشواقي ، ولم أعلم أشواقي اليوم ما فيها ! قُلت في نفسي وجدت من يشبهني ، قلت له حدثني عن نفسك ربما أنك تعرفني وتتذكرني وربما أتذكرك وقد تكون من احد الرفاق ، قال لي بأختصار أنا وانت في ارذل العمر والنسيان لم يترك شيء ، و يتمادى النسيان حتى نتوه في المشاعر أكثر وحتى بحاله الجوع نأكل فقط لسد الجوع ونجامل المذاق كمجاملة الأصدقاء حينما نكذب عليهم أنهم ما زلنا نتذكر الأوفياء ونتحدى بعضنا البعض لمتى سنبقى في هذه الدنيا ومن منّا يسبق الآخر ، وعاد يقول في لحظة تأمل عميق رأيت طبق الطعام على الطاولة وكالعادة ذهب الفكر الى غربته المعتادة وبيدي علبة الملح وانا لا احتاج الملح لكن اضفته زيادة دون شعور ، ونعود الى ذلك الباب الذي كانت تدخله الأحاسيس والمشاعر في رحلة الحياة من الطفولة الى حتى يسندنا عصا الباكور ، هي رحلة المشاعر والأحساس الى أن نفقدها ونحن على قيد الحياة وكل الوقت الجائر الذي مضى سيصبح كالبحور والجبال والأشخاص كالسراب أنه أرذل العمر وقد فات ما فات .
نشقى ونحن في الحياة وتدخل المشاعر في حياتنا لتأرقنا ، وكاد أن لا ننام إلا الحزن في أعيننا وربما أيضا الحب نبحث عنه بين طيات أيامنا ، نذخر لها الأمل في السعادة ونصل إلى آخر الطريق لنقف كل واحد منّا بقرب الباب لنقول قد بذخنا ونحن نتعمق بيأسنا وفرحنا لنصل الى النسيان ، وننسى أقرب شيء وأجمل شيء هي المشاعر ولا كأنه شيء كان .