الدكتور عبدالكبير بلاوشو كلية العلوم
جامعة محمد الخامس الرباط
فجأة وبدون بلاغ إنذاري أو بيان إخباري وجدنا أنفسنا أمام نبإ عظيم إنه “ربيع كورونا“ الذي وضع كل مجالات الفعل الإنساني دفعة واحدة على حافة الإفلاس والإنهيار. فيروس قرر أن يبقى معنا لفترة طويلة بعدما بلغ مستويات متقدمة من الحضور والتواجد في بؤر متعددة أضحى معها لزاما على السلطة السياسية تقديم حلول واقعية عبر خطين متلازمين: خط المرونة وخط الصرامة في تدبير الأزمة مع تقسيم وتوزيع الأدوار والمهام وتحديد المسؤوليات وليس مركزيتها وتركيزها ضمن صلاحيات جهة خاصة، علما أن غالبية الناس ليسوا في حالة إدراك لما يحدث حولهم إنها معركة أخرى من انعدام الوعي بموازاة الحرب الإجتماعية على كورونا والخوف المركب من العودة إلى المنطلقات الصفرية.
إن الحد من نسق الإنتشار يفترض مبدأ التدرج عبر مراحل وبخطى ثابتة مع فرض اشتراطات حازمة وصارمة في بعض البؤر لأن العودة تعني تفعيل المحطة الثانية من مواجهة كورونا وليس نهايته وفق التقديرات والمعطيات الرسمية والمتاحة. أمام هذا الوضع اشتدت مؤخرا وثيرة السباق وازدادت حدة الرغبة في العودة إلى الحياة الطبيعية مع ما صاحب عملية الحجر في الفترة الأخيرة من تراخي للسلطات ولهيئات الرقابة والمتابعة في بعض الأحياء والأسواق والفضاءات المكتظة واكتفاء الجهات المسؤولة بالتدقيق والتحقيق في هوية السيارات في الشوارع، حدث شكل واقعا مؤسفا بكل تجلياته. هناك قاعدة ينبغي على السلطات استيعابها ومراعاتها وهي أن مستلزمات الدخول إلى حالة الحجر والحظر ليست كمثيلاتها من الشروط للخروج منه، والتي تقتضي إطلاق ما يسمى بخطة/إستجابة وازنة وموزونة، أما قرار آخر لحظة فإنه غير مجدي في حالة الإسثتناء فلا بد من تأهيل وتعبئة المجتمع للإنخراط من جديد وضمان استمرارية التماسك الإجتماعي. كما أن على الدولة تقييم إجراءاتها ووضع خارطة طريق غير مستنسخة للخروج من حالة الإغلاق العام مع تفادي حصول الإغراق الوبائي و الإرهاق السوسيواقتصاي، ليبقى المؤشر الأساسي لضمان العودة الطبيعية (و هي ليست كذالك ما بعد كورونا) هو تحقيق شرط استقرار نشاط الفيروس. من هنا يطرح سؤال جوهري: هل هناك لوحة قيادة تختزل المشهد بكل تفاصيله من خلال سياسة خاصة واستراتيجية وطنية أم لا ؟ وبأية قدرات وإمكانيات سندخل تحدي العودة ؟ في انتظار سيناريو 20 مايو يتضح أننا بلا خريطة ولا بوصلة لأن الأسوأ ربما لم يأت بعد.
إن عملية رفع الحظر ينبغي أن يؤسس لها بذكاء وتدرج وعلى مراحل وفق ضوابط صحية واستنادا إلى المرجعية العلمية والطبية وبناءا على معطيات وبيانات جازمة/حاسمة مرتبطة بخصائص كل منطقة وعلى أساس آليات التقدير والتوقع : تقدير الوضعية الحالية وتوقع الوضعية المستقبلية، مع تفعيل برنامج وطني للإعمال والإقبال ومراعاة مبدأ الإشراك والإقناع وليس إستغلال حالة الحظر لتمرير مشاريع القهر والإجهاز. فإذا كان دخول الوباء ضيفا علينا قد شكل تهديدا فينبغي لثقافة العودة إلى الحياة الطبيعية أن تشكل لنا فرصة للإرتفاع والإرتقاء بالأفراد والمؤسسات. إنها القاعدة الأساسية لتحويل أي تهديد في منظومة الحياة إلى فرصة للإسثتمار الإيجابي، وأي خطأ في الحسابات بسبب سوء الفهم والتصرف سيكون معه الرد عكسي على مستوى المخرجات.
في الختام، إن أية مقاربة عملية لإجراءات وتدابير الخروج من حالة الحجر والعودة إلى الحياة اليومية مع إعادة النمو الديناميكي إلى مساره الطبيعي يستوجب باختصار صياغة خطة استنادا إلى الخصوصيات السوسيوثقافية مع رسم خارطة طريق بخطوات محكمة وفق مراحل ومستويات متدرجة في إطار تقييم علمي للمعطيات والمؤشرات المرتبطة بكل جهة. فمفهوم العودة لا يقبل بالعزف المنفرد ونهج سياسة الصمت المريب والاستدراج المعيب الذي يجسد حالة التردد التي جعلت سيكولوجية المواطن تتأرجح بين حالة الإنتظار والرغبة في إعادة الإنتشار تحت عنوان: سيناريو 20 مايو……!!!