أميمة أكدي
إذا كان المثل العربي القديم يقول “كل فتاة بأبيها معجبة” فكذلك هي بمدينتها معجبة مغرمة، لسان حالها يقول: “حب تطوان شغف قلبي” ومن لا يحب تطوان أو تطاوين؟
تطوان الحمامة البيضاء، رمز للحب والسلام، وهل هناك من يكره الحب والسلام؟
نظم مؤخرا في تطوان منتدى النبراس للدمج الشامل، ندوة علمية حول موضوع “واقع إدماج الطفل التوحدي داخل المدرسة المغربية بين التخطيط والتطبيق” كان من بين المشاركين الصديقة فرح أشباب الباحثة والفاعلة الجمعوية، والتي كتبت بعد هذا النشاط تدوينة في صفحتها على الفايس بوك استوقفتني كثيرا عن مدينتي تطوان، قالت فرح:
“تطوان مزيج مريح للعين والروح من كل شيء. روائح عبقة وأصوات ناغمة، وصور لا يمكن أن تمر دون أن تخلف وراءها ذكرى طيبة. لغة أهلها الجميلة، وذوقهم الرفيع في الملبس والمجلس، عمران المدينة الذي تلحف بالأبيض و الأزرق والأخضر، نظافتها، واحترام أهلها لقانون السير والراجلين، ذوقهم الفني ..
والكثير من الأشياء التي تشعرك بأنك في مكان توالت الأجيال التي مرت منه على بناء كل ركن وركيزة، بذوق متفرد رفيع. شكرا أهل مدينة تطوان على كرم الضيافة”
تدوينة جميلة صادقة، يصدقها كل من زار هذه المدينة، أو سمع بها أو قرأ عنها، فالكل مجمع على حسن هذه المدينة وتفردها ولنستمع لشهادة عظيمة قالها محمد بنونة في تقديمه لكتاب تاريخ تطوان للمؤرخ الكبير محمد داود رحمهما الله تعالى قال:
تطوان “قعدت مبادئ المدنية وأصلت معالم الترقي من حسن التنسيق في المفروش والملبوس وكثرة التنويع في المطبوخ والمشروب ورقة التفنن في المنقوش والمخروز مع سلامة الذوق في العرض، والدقة في الترتيب، إلى المحافظة على الموسيقى الاندلسية التي أتى بها المؤسسون الأولون..” وهل بقي بعد التقعيد والتأصيل شيء يقال!
تطوان، مدينة التاريخ عشقها الطلاب، والبسطاء والشعراء، والمجانين، وأهل الله، فهي محج الزائرين وطلب الطالبين وفدت عليها الوفود وقصدها القصاد قديما وحديثا.
تطوان مدينة محبوبة، كتب عنها الكثير، المؤرخ والأديب والفقيه والفنان، ورحم الله المؤرخ محمد داود الذي جمع لهذه المدينة تاريخها، ونقله للأجيال في لوحات واضحة الظلال ناصعة الألوان.
تطوان بنت غرناطة وفاس هكذا يقول بعض المؤرخين عنها، أو أختهما، فبعد سقوط مملكة غرناطة عام 1492، خرج أهالي الأندلس واستقروا في مدينة تطوان، وأدخلوا الأنماط العمرانية الأندلسية، فامتزجت الثقافة الأندلسية بالثقافة المغربية مطلع القرن الـ16 الميلادي.
يقول محمد بنونة: تطوان “بوتقة انصهرت فيها الحضارات، كل هذا في صورة تطوانية بحتة وذوق تطواني صميم”.
تطوان مدينة احتضنتها الجبال، ورفع من قدرها الرجال، محضن العلماء، وأولياء الله، والمقاومين؛ فقد كانت تطوان مركز المواجهات العسكرية مع إسبانيا والبرتغال في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث كانت أساطيل تطوان تشكل خطرا دائما على مصالح العدو الخارجي. كما لعب بنيانها المعماري أثرا بالغا في الدفاع عن المدينة، حيث بنيت قلع وأسوار لتكون سدا حصينا في وجه المستعمرين.
تطوان لوحة فنية تشكيلية بديعة بسقاياتها القديمة ودروبها العتيقة، بنقوشها وزخارفها التي تلفت الأنظار، وتسلب الفؤاد، لوحة فنية بأبوابها السبعة المتفرقة (باب العقلة، باب الصعيدة، باب التوت، باب الجياف، باب النوادر، باب الرموز باب المقابر) كل باب يحكي قصصا وأسرارا..
تطوان مدينة صابرة محتسبة إنها “في جهاد دائم، وصراع مستمر، على لقمة العيش، ومتعة النفس وإدراك العلى” هكذا وصفها محمد بنونة رحمه الله تعالى وهذا الوصف متحقق فيها..
وإن من الواجب علينا جميعا خاصة نحن أبناء هذه المدينة وشبابها معرفة تاريخ هذه المدينة ورجالها وما مر بها من أحداث وتحولات عبر القرون، لنعلم قدرها فنقدرها تقديرا، وكيف لا وقد حباها الله تعالى وزينها بحلل البهاء والجمال؛ بحار وجبال وتلال وعيون جارية عذبة صافية..
وما هذا الجمال إلا إمداد واستمداد من جمال قطرنا الفسيح؛ وما تطوان إلا قطعة من أرض مغربية مباركة، شكلت وما زالت تشكل درة كغيرها من مدن مغربنا الحبيب؛ كطنجة ومراكش وفاس..
ختاما كتبنا عن تطوان بما يليق بها، وتحدثنا عن جمالها وحسنها بما هي أهل له، فإن وجدت أيها الزائر قبحا داخلها فغض الطرف واعلم أن دوام الحال من المحال، وكما قيل “للمدن روح وللبشر أحوال”