ثقافة وأدب

( قصة دخول الشوكولاته إلى مصر )

نجاة الماجد – السعودية

وقع بين يدي كتاب جميل عنوانه ( صنايعية مصر) للكاتب عمر طاهر ومن القصص الخاصة بالصنايعية التي أوردها المؤلف قصة صانع الشوكولاته في مصر وقد أدرجها تحت عنوان
“تومي خريستو” صانع سعادة الاطفال و شيكولاتة كورونا “لنأكلها سويا
حيث ذكر الكاتب أن أجيال من أطفال مصر تدين بالسعادة ل “تومي خريستو” و هو أول من أدخل صناعة الشيكولاتة في مصر ، و التي كانت رمزا للبهجة في حياة المصريين و كانت آنذاك ثلاثة أنواع ، ذات الغلاف التركواز والأصفر كانت باللبن و ذات الغلاف الأزرق كانت سادة و ذات الغلاف الأحمر كانت بالبندق
و (تومى خريستو ابن ايفن غيبور) من مواليد الاسكندرية و هو يوناني الأصل ، أقام مصنع الشيكولاتة عام 1919 في محرم بك ، لكنها لم تكن البداية، فقد بدأ خريستو نشاطه بمصنع صغير في الإسماعيلية و أطلق على منتجاته اسم (شيكولاتة رويال)، ثم انتقل إلى الإسكندرية و بنى مصنعه هناك ، و كان خريستو ينتقي العاملين بعناية، لأن الماكينات التي استوردها من أوروبا لعمل عجينة الشيكولاتة تحتاج لمهارة من نوع خاص ، و كانت البداية بعدد قليل من اليونانيين و المصريين . حيث كان خريستو يؤمن بشرط مهم لصناعة الشيكولاتة، وهو أهمية أن يكون صانع الشيكولاتة سعيدا، فاختار قطعة أرض قريبة من المصنع و أعدها كملعب كرة قدم، كانت تقام عليه مباريات بين العاملين يديرها بنفسه

وقع خريستو في غرام السينما المصرية و أراد أن يشارك في التجربة، فبنى داري عرض هما الأشهر في الإسكندرية حتى الآن ( سينما ستراند، و سينما رويال)، وكانت مكافأة نهاية الأسبوع للعاملين هي دعوات مجانية لإصطحاب عائلاتهم لمشاهدة الأفلام، وقد عهد إلى شقيقه ديمى خريستو بإدارة العمل معظم الوقت و كانت وصيته هي حالتهم النفسية، فعجينة الشيكولاتة حساسة جدا وتلتقط بسهولة مزاج من يطبخها
و و على الرغم من ان خريستو كان يقضى معظم وقته في سويسرا، لكن الصورة الجماعية الوحيدة المتاحة له مع عمال المصنع في الأربعينيات، تظهر بشدة ما أسسه خريستو في وجدان عمال مصنعه، و ابتسامة عريضة صادقة تنعكس على وجه جميع العمال

و قد قام على مقربة منه رجل يونانى يدعى بولين موريس نادلر، بإقامة مصنع آخر للحلويات، لكنه تخصص في البونبونى و الأرواح، وكان مصنعا صغيرا و لسبب ما حدث ما يشبه الشراكة بينه و بين مصنع خريستو، حيث كان خريستو يستخدم حلويات نادلر لخلطها بالشيكولاتة و تقديم أنواع جديدة، و كانت شراكة ناجحة، و بالرغم من أنها لم تكن شراكة رسمية إلا أن الحكومة المصرية اعتبرت نادلر جزءا من كورونا في وقت ما

أضحت شيكولاتة خريستو جزءا هاما في حياة المصريين، وكان الجميع يعرفون الشعار المميز لإعلانات كورونا ( لنأكلها سويا )، ظهرت أنواع أخرى قادمة من الخارج، و محاولات غير ناجحة للتصنيع في الداخل ، لكنها أبدا لم تؤثر في الوجدان العام الذي كان متعلقا بشيكولاتة (كورونا) رمز السعادة ، وقد استمر مصنع خريستو مرتبطا في أذهان المصريين بتلك الجملة التي يذيل بها إعلاناته ( كورونا .. حلم جميل يداعب طفلك) مع صورة لطفل نائم بعمق، انطلقت هذه الجملة في الأربعينيات . و في عام 1963 قامت الحكومة المصرية بتأميم كورونا، و ضمت إليها أيضا ( شركة نادلر) و تم اعتبارهما كيانا واحد ( شركة الإسكندرية)

كان التأميم محبطا لـ (آل خريستو)، ثم استقر تومى في سويسرا إلى الأبد، أما شقيقه (ديمى) فقد مات حزنا على ضياع الحلم بعد فترة قصيرة و أوصى بدفنه في الإسكندرية، بعدها حولت الدولة منزله إلى مقر تابع للأمن، أما (نادلر) فلا أخبار عنه سوى أن ابنته الكبرى (ليا) تزوجت من دبلوماسي صغير صار أمينا للأمم المتحدة اسمه (بطرس غالى)، وتزوجت شقيقتها من وزير اسرائيلى، ويقال أن الأختين كان لهما دور ما في بدايات معاهدة السلام

و بعد التأميم كان “عم زكي” هو الأمل الوحيد الذى قد ينقذ صناعة مهمة من انهيار ، فقد حافظ على سر الخواجة و صنعته ،فكان هو ( العجّان) الأهم، الذى يمتلك سر الخلطة و بالرغم من أن المصنع تحول إلى قطاع عام إلا أن الإدارة ظلت تكافح عاما بعد عام لإستثناء “عم زكي”من المعاش بعد أن بلغ سنه، و ظلت تستصدر له قرارات بالمد إلى أن توفي

و أما عن سر وضع صورة الغزالة على غلاف شيكولاتة كورونا فهو أنه كان هناك ملعب للكرة و الذي اختاره خريستو بالقرب من مصنعه عندما كان اسمه (رويال) و كان ملعبا ترابيا مشهورا بوجود غزال بري شارد يظهر فيه كثيرا، وكان العمال يعتنون به و يدللونه، وذات يوم، و على هامش إحدى المباريات، انطلقت قذيفة كروية اصطدمت برأس الغزال، فمات في التو. .كان خريستو حاضرا، و حزن بشدة، ثم قرر بعدها أن يجعل هذا الغزال رمزا لما يقدمه، فوضع صورته على أغلفة الشيكولاتة ليخلده، ثم بنى له تمثالا في مدخل المصنع،و يقال أن (كورونا) كان اسم الغزال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى