ماذا تريدون مني – جبران خليل جبران

ماذا تريدون مني؟؟؟  أتريدون أن ابني لكم من المواعد الفارغة قصورا مزخرفة بالكلام، وهياكل مسقوفة بالأحلام، أم تريدون أن أهدم مابناه الكذابون والخبثاء، وأنقض ما فعله المراءون والنبذاء.

ماذا تريدون أن افعل ؟

أأهدل كالحمائم لأرضيكم ؟ أم أزمجر كالأسد لأرضي نفسي ؟ قد غنيت لكم فلم ترقصوا، ونحت أمامكم فلم تبكوا. هل تريدون أن اغني وأنوح في وقت واحد ؟ نفوسكم تتلوى جوعا وخبز المعرفة أوفر من حجارة الأودية و لاكنكم لا تأكلون، وقلوبكم تختلج عطشا ومناهل الحياة تجري كالسواقي حول منازلكم. فلماذا لا تشربون؟ للبحر مد وجزر، وللقمر نقص وكمال. وللزمن صيف وشتاء، أما الحق فلا يحول ولا يزول ولا يتغير. فلماذا تحاولون تشويه وجه الحق. ناديتكم في سكينة الليل لأريكم جمال البدر وهيبة الكواكب فهببتم من مضاجعكم مذعورين وكأن مس الشياطين أصابكم. لقد كنت أحبكم. وقد أضر بــي الحب ولم ينفعكم. واليوم صرت أكرهكم. والكره سيل لايجرف غير القضبان اليابسة ولا يهدم  سوى المنازل المتناهية الأسس. كنت أشفق على ضعفكم. والشفقة تكبر الضعفاء، وتنمي عدد المتهاونين ولا تجدي الرجال شيئا. واليوم صرت أرى ضعفكم فترتعش نفسي ا اشمئزازا وتنقبض ازدراء. كنت أبكي على ذلكم وانكساركم، وكانت دموعي تجري صافية كالبلور، ولاكنها لم تغسل أوساخكم التي حفرت عميقا في جلودكم بل أزالت الغشاوة عن عيني ولا بللت صدوركم المتحجرة. بل أذابت الجزع في قلبي. واليوم صرت أضحك من أوجاعكم. والضحك رعود قاصفة تأتي قبل العاصفــــــة.

ماذا تريدون ؟

أتريدون أن أريكم أشباح وجوهكم في أحواض المياه الهادئة. تعالوا إذن وانظروا ما أقبح ملامحكم. تعالوا وتأملوا فقد جعل الخوف شعور رؤوسكم كالرماد، وفتك السهر بعيونكم فأصبحت كالحفر المظلمة، ولمست الجبانة صدوركم فباتت  كقطع  –الليل المظلم، وقبل الموت شفاهكم فأصبحت صفراء كأوراق الخريف.

ماذا تطلبون مني؟

بل ماذا تطلبون من الحياة؟ والحياة لم تعد تحسبكم من أبنائها. الحياة عزم يرافق الشباب، وجد يلاحق الكهولة، وحكمة تتبع الشيخــوخـــــةأما أنتم فقد ولدتم شيوخا عاجزين ثم صغرت عقولكم وتقلصت جلودكم، فصرتم أطفالا تتقلبون على الأحوال وتتراشقون بالحجارة . إنما الإنسانية نهر بلوري يسير متدفقا حاملا أسرار الجبال إلى أعماق البحار. أما أنتم فمستنقعات خبيثة تدب الحشرات في أعماقها وتتلوى الحيات في جنابتهــا. إنما النفس شعلة زرقاء متقدة تلتهم الهشيم وتنمو بالأنواء وتنير أوجه الحكماء. أما نفوسكم فرماد تدريه الرياح على الثلوج البيضاء وتبدده العواصف في الأودية. سيوفكم مغلفة بالصدأ، ورماحكم مكسورة الحراب، ومعداتكم مغمورة بالتراب، فلماذا تقفون ضدي في ساحة الحرب والقتال وأنا قادر على هزيمتكم وقادر على الشدائد والصعاب. دينكم رياء، ودنياكم تفاخر وادعاء، وأخراكم هباء. فلماذا تحيون والموت نهاية الأشقياء؟ كرهتكم لأنكم تكرهون المجد والعظمة. احتقرتكم لأنكم تحتقرون نفوسكم. أنا عدوكم. لأنكم أعداء الإنسانية ولاكنكم لا تعلمون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى