سنة مرت على وفاة المرحوم يونس الشرقاي المستشار بالمجلس الجماعي لمدينة طنجة والرئيس السابق لمقاطعة المدينة، الذي التحق بالرفيق الأعلى يوم 13 فبراير من السنة الماضية بعد معاناة مع مرض “كوفيد .وكان الشرقاوي قد فارق الحياة بعدما أمضى أياما معدودة في حالة صحية حرجة داخل قسم الإنعاش بأحد المصحات الخاصة في العاصمة الرباط .
ويعتبر المرحوم الشرقاوي أحد أكبر الوجوه البارزة في الساحة السياسية بطنجة المنتمية والوفية إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو عضو بارز أيضا بجماعة طنجة ينضم بذلك لمجموعة من المستشارين الذين فارقوا الحياة سنة 2020، بعد إصابتهم بفيروس كورونا اللعين. المرحوم الشرقاوي من ينطبق عليه المثال “أن تخوض في سياسةٍ ما يعني أن تكون على قدرٍ كبيرٍ من المسؤولية، أن تكون صاحب ضميرٍ وقضية، أن تكون المبادىء هي أساسك ومنارة الإهتداء لديك، وليس الخطابات الرنانة التي هي ذات أهمية لكنها ليست أهم من التطبيق الواقعي الذي ينهض بالمدينة وشأنها المحلي ، ويصلح أساسها ويقف أمام كل من يهدد أمنها ومستقبلها. المرحوم الشرقاوي مارس السياسة منذ الصغر ، فلم أؤمن يوماً بكل من عُيّن في السياسة وهو في عمرٍ متأخر، كنت أنظر لهم نظرة من يتولون المناصب لأجل المسميات فقط وهم لا يفقهون من السياسة ولم يتجرعوا قوانينها أو يتعلموا كيفية القيادة، لأنه وحسب ما هو متعارف أن كل صاحب منصب هو قائد بالفطرة أو هذا ما يجب أن يكون عليه، يجب أن يستغل قوته وحنكته في مصلحة بلاده قبل أي شيءٍ أخر، أما من يستلم تلك المناصب بعمرٍ متأخر فيكون قد تعب نفسياً وجسدياً ولم تُبقي به الحياة ذرة طاقة ليباطح ويصارع ويقاتل مع السياسيين، والأهم من ذلك كله أنّ السياسة تحتاج إلى نَفَسٍ طويل، ولا أظن أن من وصل السبعين أو الثمانين من عمره قد بقي قادراً على التنفس أصلاً.
أهم ما ميّز المرحوم الشرقاوي عن باقي من مارس السياسة بطنجة ، هو أمانته في تأدية رسالته، فخيرُ مكان وضع فيه رجلٌ مناسب يعرف كيف تؤدّى الحقوق والواجبات، فلم يلتزم بتأدية واجباته فقط بل إلتزم بعقيدته. ولم أؤمن يوماً أن حب الإنسان وتعلقه بأرضه هو خالص لوجه الوطن والوطنية، بل تأكدت أنّ مهما بَلَغ حب الإنسان مَبْلَغه فإنه ترتبط به مصالح شخصية، فهي مزروعة بالفطرة الإنسانية، أن تعطي فتأخذ، أنّ يكون هنالك مقابل دائماً، وإنّ كان هنالك حبٌ للأرض والوطن فالغالبية يطبقونه بطريقةٍ سلبية، طريقة لا تضمن البحث عن مكنونات الخلل بل تزيد لتنخر وتنتج فجوة أكبر من سابقتها. بقيت أعتقد بهذا الإعتقاد حتى سمعت عن سياسيّ محنك يدعى الشرقاوي يونس، الذي يُعَد أكبر سياسي مُنتخَب في عهده بطنجة، استوقفني إسمه كثيراً وأنا في الذكرى الأولى من رحيله ،وحدثتني نفسي أن أقرأ عن سيرته وإنجازاته، ولن أنكر الصدمة التي أصابتني وقتها عندما سمعت بوفاته، رجلٌ ذكيّ، أقلّ ما يمكن أن يُقال في حقه أنه داهية، سياسية وهمه مصلحة عاصمة البوغاز أولاً . المرحوم الشرقاوي الذي فارق الحياة وهو في سن تجاوزت الستين من عمره نهض خلالها بطنجة من العدم، دعّم إقتصادها، واستغل صناعاتها، وأشغل الأيادي العاملة حتى أصبحت مدينة طنجة ومقاطعته المدينة من أكثر المقاطعات تنظيما ورقيا. رفض الشرقاوي أي تدخل خارجي في سياسات مدينته وأحكم قبضته على من حوله لكي لا يسمح بأي تقصير، استغل ضميره الحيّ الذي نما معه منذ أن كان شابا يافعا، فكبرت معه خصلة التضحية في سبيل المحتاجين ، فالوطن هو للمحتاجين في المقام الأول، الذي يحتضنهم ويرعاهم ويخاف على مصالحهم كأنها مصلحته، فكان الشرقاوي هو الوطن للمستضعفين. ربما أهم ما ميّز الشرقاوي عن باقي من حكم في طنجة، هو أمانته في تأدية رسالته، فخيرُ مكان وضع فيه رجلٌ مناسب يعرف كيف تؤدّى الحقوق والواجبات، فلم يلتزم بتأدية واجباته فقط بل إلتزم بعقيدته. كان موقفه واضحاً أمام اقتراحات كل الفرقاء السياسيين بطنجة، رفضها رفضاً قاطعاً فلم يقبل أن تُقاد عروسة الشمال إلى المجهول وأن تحكمها أيدي خفية تستغل ضعفها في المستقبل، كما أنه رفض رفضاً قاطعاً أن يستقبل مجلس المدينة كل فاسد لا يريد الإصلاح. يطول الكلام عن هذه الشخصية الفذّة، ولكن كما تعودنا أنه عندما نذكر محاسن شخصية ما أن نعيد النظر في أنفسنا، وأن نعيد تعريف الوطن في قاموس مصطلحاتنا، فالوطن لم يكُن يوماً مربوطاً بالسياسة والسياسيين فقط، بل الوطن مربوط بالشعوب، الشعوب هي الوطن، لذا علينا أن نؤمن أننا إن أردنا أن ننهض بأوطاننا فعلينا أن ننهض بأنفسنا كما فعل الشرقاوي الذي سطّر معنى الوطنية بأسمى معانيها. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا، والبركة في نجله محمد الشرقاوي دلك الشبل من دلك الأسد.